أحلام تائهة وطموحات مهزومة

وعد حسون نصر:

واقع شبابنا اليوم ضائع بين الماضي والمستقبل المجهول وسط حاضر مليء بالمشقّات. لم تعد الدراسة تُغري الكثيرين، وكثيرون منهم مقتنعون أن لا مستقبل لهم في بلد بات التعليم فيه مُكلِفاً، وبعد التخرّج لا يستطيع الشاب تأمين عمل يناسب دراسته وشقاء سنواته مع الكتاب. الرواتب القليلة وساعات العمل الطويلة حجّمَت حيوية وعطاء الشباب الكادح لصناعة مستقبل يليق بالجهد المبذول.

يقف جيل بأكمله حائراً وسط بطالة غزت البلاد، كبّلت أيدي الشباب عن بناء مستقبل بلادهم، فباتت الرغبة في الهجرة خارج الحدود هي الهدف الوحيد لهذا الجيل الذي يرى مستقبله بعيداً عن بلاد القهر كما يصفها كثيرون. وهذا يوضح أسباب النسب الكبيرة لشباب يهاجر يومياً إما بطرق مشروعة، أو غير مشروعة لا يهمّ، المهم أنه خرج من سور هذا السجن ليصنع مستقبلاً يليق بحجم عطائه وما لديه من طموحات.

من لا يرى واقعنا السوري وخاصة واقع شبابنا فهو أعمى البصر والبصيرة، فنسبة كبيرة تركت مقاعد الدراسة واتجهت نحو العمل لتُعينَ أسرتها وتأمين القليل من المستلزمات الأساسية من الطعام والشراب، ونسبة ليست قليلة منهم انساقت وراء الانحراف من مخدرات وسرقة ونصب واحتيال، حالات الانتحار التي انتشرت في الفترة الأخيرة، خير من يخبر عن واقع جيل بأكمله، جيل يسعى وراء خيبات الأمل المفروضة عليه تحت ستار الأزمة، وعاماً بعد عام يزداد البؤس في نفوس الشباب، أيدي مُكبّلة عن العمل، طموحات مهزومة مغمورة لا تبصر الشمس في بلاد غابت شمسها مغموسة بالذل، مقاعد دراسية مهجورة تُصارع الرياح ببقايا أقلام مُكسّرة تكتب الحب وتمسحه بممحاة الهزيمة، أضحت البطولات في الكتب العتيقة المصبوغة بالصفرة الشاحبة ورائحة العفونة تفوح منها كلما قلبنا صفحة، فكيف لنا أن نصنع بلداً بشباب يصارع ذاته ليخرج منها ويلون مستقبله خارج حدود هذه البلاد، أليس من المفروض أن تسعى الحكومة لتأمين احتياجات هؤلاء الشباب، على اعتبارهم صُنّاع مستقبل البلاد والعباد؟ فهل تنهض البلاد بشباب مكسور الجناح مُحطّم الأماني والآمال؟ أليس من الواجب تأمين فرص عمل للشباب وخاصةً بعد التخرّج؟

والبداية تكمن في السعي للحدِّ من تسرّب الأطفال من المدارس وفرض عقوبة على من يقوم بتشغيلهم وهم في سن التعليم الإلزامي، والتعاون بين المنظمات التي تُعنى بالشؤون الاجتماعية، وحماية الأسرة، كذلك المؤسسات التربوية لتأمين دورات مجانية وخاصةً لطلاب الشهادات ممّن لا تسمح لهم الظروف للتسجيل في دورات مأجورة كي يتمكنوا من مجاراة زملائهم، وتحفيز الرغبة لديهم بالتعلّم. كذلك تنشيط وتوسيع الجامعات الحكومية والتي هي ملجأ الكثيرين من أبناء الوطن، فكثيرون لا يستطيعون الدراسة في جامعات خاصة.

السعي الحثيث لتجاوز فكرة الأزمة واجب أخلاقي وإنساني ووطني، فيجب ألّا نجعل منها شمّاعة نُعلّق عليها هفواتنا، فلكي ننهض بالبلاد علينا أن نحمي مستقبل الشباب الواعد، نُعينهم على صناعته، نؤمّن لهم سبل تحقيق أهدافهم لكيلا ينحرف بعضهم ويلجأ لارتكاب المخالفات تحت ذريعة ضياعهم وقلّة فرص تحقيق ذواتهم، لكي نبني وطناً علينا أن نبني الإنسان أولاً وخاصةً جيل الشباب، وقبل ذلك علينا أيضاً أن نحمي الطفولة.

العدد 1105 - 01/5/2024