السؤال الصعب والطريق الوعر

حسين خليفة:

أين أصبح شبابنا (وشاباتنا طبعاً) بعد سنوات الجمر التي أحرقت ما كان مؤملاً منه أن يؤسّس مجتمعاً سليماً وبلداً معافى وآمناً؟!

السؤال يُطرح كل لحظة، لكننا نعيده الآن بمناسبة الخامس عشر من تموز وهو اليوم العالمي لتنمية مهارات الشباب.

قبل الحرب الكارثة المستمرة، كانت نسبة الشباب هي الأعلى في المجتمع السوري وقد تجاوزت 30%، وكان المجتمع السوري يُصنّف على أنه من المجتمعات الشابة، وذلك بتأثير حالة الاستقرار النسبي (والشكلي بسبب القبضة الأمنية بعد عسكرة المجتمع منذ أواخر الخمسينيات حتى الآن) الذي عاشته البلاد منذ استقلالها عام 1946، وعدم حدوث حروب طويلة أو كبيرة، ولا هجرات جماعية، ونسبة المواليد العالية التي يتميّز بها المجتمع السوري أساساً.

أما تقديرات عام 2020 فتشير إلى أن نسبة 19.34% من السكان هم من الفئة العمرية (15 ـ24) و37.47% من فئة (25 ـ 54) عاماً، فيما قُدِّرت نسبة من هم دون خمسة عشر عاماً من العمر يـ 33.31.

وإذا اعتبرنا سن الشباب بين 18 و45 عاما نستطيع التأكّد من أن مجتمعنا رغم كل ما حصل ما زال يتميّز بنسبة شباب عالية لأن الإحصاءات شملت السوريين داخل سورية وخارجها.

فبعد تسعة أعوام عجاف اختفى فيها مئات الآلاف من السوريين اعتقالاً وخطفاً، وقتل نحو مليون سوري بين مدنيين وعسكريين، وهُجِّر نحو عشرة ملايين إلى خارج البلاد، وأكثر من خمسة ملايين نزحوا من منازلهم إلى مناطق أخرى داخل البلاد، وغالبية هؤلاء الضحايا هم من جيل الشباب، ما تزال الإحصاءات تُشير إلى أن المجتمع السوري ما زال شاباً.

لكن وبسبب غياب احصاءات علمية ودقيقة غير مُسيّسة عن وضع الداخل، نستطيع التأكيد من خلال الملاحظة المباشرة لأحوال مجتمعنا، أن خللاً كبيراً أصاب تركيبة المجتمع بسبب نزيف الشباب بما تعنيه مرحلة الشباب من حيوية في المجتمع ونشاط وتطور.

إذاً، خسارتنا في هذه الحرب لم تقتصر على الخراب والتهجير والاختفاء، بل إن الخلل الحاصل هو الأخطر، والأخطر منه هو ازدياد نسبة التسرّب من التعليم ممّن تبقّى داخل سورية وفي المخيمات المُقامة للاجئين السوريين في الدول المجاورة، والتعليم هو الخطوة الأساسية لتنظيم مهارات الشباب وتطويرها.

ومعلوم أن الطريقة الأمثل لحماية الشباب من السقوط في مهاوي اليأس أو الانحراف هي منحهم الفرص لتوظيف إمكاناتهم وتحقيق أنفسهم من خلال إعطائهم المجال لممارسة القيادة وبناء المهارات والاشتراك في النشاطات الاجتماعية لتعزيز ثقتهم بأنفسهم ومنحهم الخبرة والحنكة الضرورية لتخطي عتبة المستقبل ونمو شخصيات سليمة نفسياً وعقلياً وامتلاك القدرات والمهارات الشخصية المتميزة التي تحميهم من اليأس والضياع.

وهذه مسؤولية السلطات بالدرجة الأولى، ومن ثم مسؤولية الأسرة والمجتمع شرط أن تكون الفرصة مُتاحة لها لتمارس دورها بفعّالية، وذلك لا يتحقق إلاّ في ظلِّ نظام ديمقراطي تعددي يتيح الفرصة للعمل الأهلي الحرّ تحت سقف القانون، وتشجيع المبادرات الفردية الإيجابية وليس احتواءها ووأدها لاحقاً.

من المعلوم لدى المختصين والدارسين أن الشباب الذين يكبرون في مجتمعات غنية بالبرامج والفرص التنموية المختلفة أقلُّ عرضة لمخاطر اليأس والانحراف وأكثر إيجابية في التعامل مع المحيط، وأكثر قابلية للإبداع والإنتاج، وأكثر إحساساً بالأمان والتمكّن والانتماء لمجتمعه وبلده، وبالمسؤولية الاجتماعية والوطنية إضافة إلى تحقيق التوازن الروحي والعقلي والجسدي أيضاً.

رغم كل المعوقات التي كانت تعترض طريق بناء الشباب وتنمية مهاراتهم خلال حقبة ما قبل الحرب إلاّ أنه كانت هناك بقع ضوء هنا وهناك لإبداع الشباب وخلق فرص لهم وتأمين بيئة مقبولة لهم لإبراز مهاراتهم وتنميتها.

لكن الآن، وقد وصلنا إلى هذا الحضيض في المجالات كافة، التعليم، الاقتصاد، العمران، القانون والمؤسسات، العمل الأهلي، والى آخره من الخراب العميم، فإن أي تفكير بمجرّد استخدام المصطلح: تنمية مهارات الشباب، سيكون هروباً إلى الأمام وحرثاً في الهواء.

لا بدَّ بداية من إنهاء الأزمة الوطنية الكبرى بحلٍّ سوري ناتج عن حوار وطني شامل لا يستثني أحداً، ولا يضع شروطاً على الحل، على أن يكون الهدف والبوصلة هو إقامة دولة قانون ومؤسسات ديمقراطية منتخبة فعلياً تؤسّس للبدء بترميم ما خرّبته الحرب وقبلها الاستبداد الطويل، وتأسيس أرضية صالحة للشباب ليكونوا فاعلين في عملية التنمية والبناء.

العدد 1104 - 24/4/2024