(الكاوبوي).. يُوظِّف الرّبّ لِنَهْبِ الأُممِ

فادي إلياس نصّار:

الديماغوجية السياسية المُفرطة، التي استخدمتها المتحدثة السابقة باسم البيت الأبيض (سارة ساندرز)، حين تبجحت بأن الرئيس الأمريكي الأسبق (دونالد ترامب)، (اختاره الرّب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية) قد تُحرك عواطف الجمهور الأمريكي الميال، إلى تصديق كل شيء يأتي من الرب.

صاحب العناية الإلهية التي باركت كل الغزوات والمشاريع الاستعمارية حول العالم، لن تفعل فِعلها مع الشعوب التي ذاقت ويلات الحروب، وعانت من فواجِعِها.

(ترامب) الذي اختاره الرب، ليتابع قيادة الحلف الاستعماري الذي دمَّر كل أشكال الحياة في سورية واليمن، فعمل خلال عشر سنوات على قَتل آلاف البشر، وبدل الازدهار الاقتصادي الموعود، نُهِبَت ثروات البلاد ودُمِّرَت البُنى التحتية، وعوضاً عن نشر الديمقراطية والحريات العامة، هُجِّرَ ملايين البشر من بيوتهم، وزجت الحرب بآلاف الأطفال في العمليات الحربية، وبالنساء في سوق النخاسة، كذلك تفشّت ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية.

(الربُّ) الإله الذي تكلمت عنه السيدة (ساندرز)، ذاته صاحب (العنايّة والإرادة الإلهيَّة)، التي تسلّح بها جورج بوش الابن (ومن قبله بوش الأب)، عندما قرر غزو العراق، ذلك البلد الذي يعده منظّرو (مشروع الشرق الأوسط الكبير)، بمثابة حجر الزاوية، فجلبوا عليه الويلات والكوارث التي لا يزال الشعب العراقي يدفع ثمنها دماً، محوّلين نصف الشعب العراقي، إلى ضحايا صامتة.

ثم أليس هو الرّب بعينه، الذي يتغنّى الصهاينة بأنّهم شعبه المختار، ممارسين بمباركته أبشع أنواع التمييز العنصري في فلسطين، منذ وعد بلفور (الذي باركه الرب ذاته)، وينفذون مشاريع أيضاً باركها رب ترامب ذاته (مشروع بريجنسكي لعام 1979 الهادف إلى تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات عرقية ودينية، ومشروع برنارد لويس عام 1990 الذي يدعو لتشجيع التمرد في المنطق العربية)، وجميعها يلتقي مع مشروع (الفوضى الخلاقة).

الرب الذي اختار (ترامب)، بارك قبلاً سفن المستكشفين(الغُزاة) الإسبان الذين ما إن وصلوا إلى شواطئ القارة الأمريكية الهادئة المسالمة، حتى أطلقوا العنان للضباط والبحارة كي ينهبوا كل شيء، فأبادوا ملايين من الشعوب الأصلية، ودمروا حضاراتهم (المايا، الإنكا والأزتيك)، ويذكر (إدواردو غاليانو) في كتابه الشهير (الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية): أن الضباط الإسبان صنعوا نضوات خيلهم من الفضة، فيما أرسلوا كميات هائلة من الذهب إلى بابا روما لبناء كنيسة القديس بطرس) ليكفّروا عن خطاياهم في استعباد السكان باسم العناية الإلهية.

وبمباركة إلهية تمكنّت بريطانيا، بموجب مشروع (سيسل رودس) الاستعماري، من فرض سيطرتها على جزء كبير من القارة الإفريقية (كعكة الشوكولاه) الغنية بكل شيء (الذهب والألماس، النحاس، واليورانيوم، الألمنيوم، الحديد، الفوسفات، النفط، الغاز الطبيعي، البن والشاي، الأقطان والقمح، الأخشاب والثروات الحيوانية)، بحجة جلب الحضارة إليها (المُبرر ذاته استُخدِمَ في سورية، العراق، اليمن، كوبا  واليوم في فنزويلا)، وبدل أن تنشر، المملكة البريطانية، حليفة الرب،  الحرية والديمقراطية، في تلك القارة، نشرت الفقر، الجوع، المرض والجهل،  فعمَّقت تبعية بلدان القارة الاقتصادية، وأغرقتها في عزلة عن كل ما هو حضاري في هذا الكوكب.

كما رعى إله (المستعمرين الجدد) ذاته، سنة 1839، ما سمّي باتفاقية (أمريتسار)، التي قامت بموجبها (شركة الهند الشرقية) الاستعمارية البريطانية ببيع منطقة (كشمير) (محور ارتكاز استراتيجى بين دول آسيا)، بعد الاستيلاء عليها، لأسرة الدواغر (الهندوسية)، وإلى يومنا هذا، لاتزال المنطقة مشتعلة بأتون الحروب والنزاعات العرقية والدينية.

عملت قوى الاستعمار عبر التاريخ وتعمل على تسخير اسم الرب (الإله) لخدمةِ مشاريعها، منذ غزوات الإسبان المبشّرين للقارة الأمريكية، مروراً بالفتوحات الإسلامية، وصولاً إلى حروب الربيع العربي المدمرة، وبات ملحاً أن تستيقظ شعوب العالم، لإيقاف عسكرة رأس المال المعولم، وإلحاق الهزائم بمشاريع الإله المتوحش الذي يبارك الحروب، وإلا فكلنا إلى جحيم أبدي حيث لا (ربٌّ) ولا (إله) يرحمنا من نيران الرأسمالية المتوحشة.

العدد 1105 - 01/5/2024