الأب.. الغائبُ عن الفرح والمُتغيّب في الأعياد

وعد حسون نصر:

الأب السوري، غابت عنه السعادة ولاحقته الأحزان، فرحته عندما يحصل على جرّة الغاز بعد انتظار رسالة التسعين يوماً أو أكثر، وربطة خبز بعد حرمانه منها ليومين، والفرحة الأكبر برسالة الوقود وخاصةً المازوت، كذلك عند ما يتقاضى الراتب بداية كل شهر مع الأمنيات أن يكفيه ليومين إضافيين بعد بداية الشهر، لأن الراتب للأسف ينتهي بعد ساعة من استلامه.

لا يمكن أن ننسى أيضاً الفرحة الكبرى عندما يستطيع شراء حذاء جديد لأحد أبنائه أو فستاناً لإحدى بناته، وتتّسع دائرة فرحه حين يؤمّن أجرة الدرس لمادة اختصاص لابنه المتفوق، أو تكاليف استمارة الجامعة لابنه الناجح بمعدّل مميّز في امتحان الثانوية، وتكتمل الفرحة في قلبه عندما يرى أبناءه سعداء وأصحاب خلق، لا يشتكون من مرض ولا من همّ.

لنلاحظ أن سعادة هذا الأب تكمن فقط بسعادة أهل بيته، يأتي العيد فتراه آخر شخص يمكن أن يهتم لثيابه ويرى ما إذا كانت مناسبة أم لا، وإن لم تكن مناسبة فلا يبدو عليه التذمّر لأن ما يهمه فقط ملابس أولاده. كذلك في الشتاء تراه لا يبحث لذاته عن معطف، بل يبحث لأولاده، وحتى في غيابهم تراه لا يُشعِل المدفأة ليوفر الوقود كي يدفئ أهل بيته، إن قلَّ الخبز يحرم ذاته من الشبع ليبقيه للأولاد، تضحك عيناه عندما يدخل منزله وبيده حلوى شهية مذاقها مُحبّب عند الأبناء، وتزهو أكثر إذا استطاع اصطحابهم للسوق وإسعادهم بمتعة التسوّق والترفيه، والفرحة في نفسه تكبر عندما يتمكّن من مرافقتهم لزيارة البحر وخاصةً إذا كانت الزيارة الأولى، وقد تكون أحياناً الوحيدة.

هذا الأب، قد تجده منسيّاً، غائباً طوال الوقت فيظنُ أولاده أنه قاسٍ، أو لا مشاعر حيالهم لديه، ولا يعلمون أنه يصارع الوقت ليؤمّن لهم بعض مقوّمات الحياة. يسافر حتى لو كان العمر غير مناسب، ويتحمّل مشقّات السفر وضغط العمل لأن في رأسه هدفاً واحداً هو إسعاد أسرته وتأمين مستقبل الأولاد، أو شراء بيت يحتضنهم بالحب وراحة البال. فكيف له أن يتذكّر عيده الخاص وعيد الأب، إذا كانت ضجّة الحياة ومتاعبها ومتطلّباتها قد أنسته الأعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية.

الأب السوري منسيٌّ وقت الفرح، غائب عيده من التقويم وفرحته منقوصة، وإذا ألقيتَ على والدك تحية العيد في يوم الأب، يسألك بشكل تلقائي ما المناسبة لهذه المعايدة، فإن قلت له اليوم عيد الأب، يبتسم في سخرية ويتمتم (لا أظن أننا ضمن هذا العرف، ولا أعتقد أنهم خصّونا بهذا العيد، فنحن قد كُتب علينا الشقاء منذ ولجنا هذه الأرض حتى الممات، أنسيت يا بني أننا نحن آباء سوريون خُلِقْنا لنعمل بقوتنا، سقف أحلامنا تعليمكم وشراء طبخة شهيّة لكم وحلوى، والعيد عندما نراكم تخرجتم وسافرتم لبلاد تنطلق بها أحلامكم وتشعُّ في شركاتها إبداعاتكم، ويسطّر التاريخ نجاحاتكم واختراعاتكم. أما عن العيد فانسَ يا بني فنحن لا يزورنا العيد، ومع ذلك أنتم العيد ولتكن بخير أنت وإخوتك!).

وأخيراً لروح أبي ألف رحمة، فيا ليته على قيد العيد لأُشعِلَ له شموعاً بعدد سنوات شقائه، ولا أختصر تقبيله بهذا اليوم فقط، إنما أقول له كل عام وأنت أبي الصبور، لكن القدر أكبر وسوف أكتفي بالسلام لروحه، وسأقول لكل أب سوري كل عام وأنت عظيم، كل عام وأنت صانع الحياة لأبنائك، كل عام وأنت عظيم في بلد غيّب عنك الفرح وغيّبك عن عيدك.

العدد 1105 - 01/5/2024