عيد سيزيف!

د. عبادة دعدوش:

عندما نسمع كلمة أب، يحضر في أذهاننا الوجه البشوش، المعلم الأول، الذراعان اللتان تحملاننا عند الطفولة وتقذفاننا نحو السماء وكأننا نجمة وقعت تريدان أن تعيداها إلى العلياء. نتذكّر أيضاً اليد الممدودة إلينا كل يوم بالحلوى.

والسؤال: هل يستطيع الأب الذي أضحى مُنهكاً مُستنزفاً اليوم تقديم ما كنّا نتلقاه من آبائنا في الأمس؟ أم أن أبَ اليوم اسم مذكور وكيان غائب وسط الغلاء الذي يضطرّه للعمل طوال النهار والمساء لتأمين الحاجات الأساسية.

هل هناك تيتّم من درجة ما يصنعه الفقر، أو إن صحَّ التعبير الإفقار؟!

هل ما يراه أبناء اليوم من جسد الأب المُمَدّد بعد كدح طويل وكأنه جثّة هامدة، نستطيع أن نعدّه تلاقياً؟!

الأب في معناه الأعمق حاضنة وداعم نفسي، وهو الذي يُناط به الشقُّ الحازم من الدور التربوي في التصدي لكل العادات أو السلوكيات المنحرفة التي قد يقع فيها الأبناء، فهل مازال الآباء يمتلكون القوة النفسية لتقديم الدعم النفسي؟ أم أن مجرّد نزولهم إلى الأسواق وصدمة الأسعار كل يوم أو كل بضعة أيام تستنزف كل قواهم؟! هل مازال الآباء ينظرون إلى صغارهم كنعمة أم أضحوا يرونهم عبئاً!؟

كان الأب يحبُّ أن يلاعب صغاره، كان يحبهم صغاراً فهل مازال كذلك؟ أم يريدهم أن يكبروا ويسبقوا بقوتهم وأذهانهم أعمار أجسادهم الصغيرة كي يخفّفوا العبء عنه، بدليل انتشار عمالة الأطفال بشكل مرعب. حتى القطط لم تعد تجد متّسعاً من الزمن لارتياد الحاويات لكثرة الأطفال النبّاشين!

والسؤال الأهمّ: ما الذي يستطيع فعله اليوم ذلك الأب الذي خدم الجندية الإلزامية أو الاحتياطية بعد أن انتصر على كل المجموعات المسلحة باختلاف أسلحتها ومموليها، ثم انكسر أمام نظرة طفله الحزين الذي لا يستطيع تلبية مستلزماته؟

في ظلِّ عدم وجود جهود كافية لتقديم الرعاية النفسية وإعادة التأهيل النفسي للأطفال وأحداث السن الذين شهدوا أهوال الحرب، يجب أن تعمل الحكومة على الأقل على رفع الأجور كي يحظى الصغار مُجدّداً بوقت كافٍ مع سندهم ومعلمهم الأول والأبقى.

كل عام وآباء سورية بخير، برغم أنني أعلم أنهم منشغلون عن عيدهم بكدحهم، ولكن لابدّ أن يحرص الآباء على أداء دورهم التربوي أيضاً، برغم كل ضغوطات العمل كي يتمثّلوا قيم الأبوة الحقّة، فإن كان الأطفال بذور الأمل، فالآباء هم من يضع الضوء الأخضر داخل تلك البذور، كي يورق الوطن ويزدهر من جديد.

العدد 1105 - 01/5/2024