رغم كل مدوّنات حقوق الإنسان.. واقعنا لا يسرّ

وعد حسون نصر:

في التقويم السنوي تمرُّ أيام كثيرة تُعنى بمناسبات عامة، ومن هذه الأيام ما يخص حقوقنا نحن البشر، وتمر أيام لمناهضة العنف وممارسته علينا، فهل يا ترى هذه الأيام في خطاباتها ومقالاتها كافية لحماية حقوقنا؟ لحمايتنا من ممارسة العنف ومدى وقعه علينا وتأثيره في نفوسنا؟ فمثلاً يصادف الأول من حزيران اليوم العالمي لرعاية الوالدين، ومن واقعنا السوري هل يحصل الوالدان على هذه الرعاية وخاصة المسنّين منهم؟ إذ إن أول غصّة وحرقة قلب أن أغلبهم أصبحوا وحيدين وخاصةً بعد وضع البلد الذي فرض هجرة الأبناء بشكل كبير، إضافة إلى أن الطرقات والشوارع باتت تكتظ بكبار السن بصورة أشبه بالمتسولين، وهذه الحال كفيلة أن تخبرنا عمّا يلاقيه الوالدان المُسنّان من صعوبات في تأمين احتياجاتهم، وعجزهم عن شراء دوائهم وقوتهم وخاصةً من يعتاش منهم على راتب التقاعد.

المُسِنّ في بلدي لا يأخذ حقه من الدفء ولا من الغذاء الملائم، ولا حتى من الطبابة والمعاينة والكشف الطبي المستمر، فيكون السؤال هنا: أليس هذا من واجب منظماتنا ومؤسساتنا وخاصة (الشؤون الاجتماعية)؟ أين يكمن دور المنظمات الإنسانية؟ أليس من الطبيعي أن نتخطى أزماتنا أولاً برعاية هؤلاء الكبار، من خلال تخصيص مراكز إيواء مُجهّزة بقسم مجاني مُخصص للكشف الطبي لهم، كذلك تأمين الطعام والدفء لمن هم داخل هذه المراكز، وخارجها إذا كان لا يمتلك راتب تقاعد يعتاش منه، وليس لديه معيل يشرف على مستلزماته ويؤمّنها له؟!

لا ننكر أن الوضع خلال سنوات الأزمة وبعدها فرض على كثير من الأبناء الابتعاد عن الأبوين، ربما للسفر أو للعمل أو للدراسة، لكن الواجب يقتضي برّهم والعناية بهم وتأمين حاجتهم، فهم باتوا غير قادرين على العطاء بعد أن استنفدوا كل ما يملكون، لذلك وجب على الجميع رعايتهم وإن لم يكن هناك يوم مُخصّص لهم، فلتكن كل أيامنا مُخصّصة لهم. ولعلّ المصادفة تكمن في أنه في الشهر نفسه خُصِّص يوم عالمي لضحايا الحرب من الأطفال، والغريب أن ضحايا أزمتنا كان أكثر من نصفهم من الأطفال الذين سرقتهم حربنا من أحضان ذويهم ليكونوا طيور الجنة كي يخبروا الله عن حجم الظلم الذي وقع عليهم، عن بحور الدم التي سبحت بها أجسادهم بدل أن تسبح بالماء الدافئ فرحاً بالصيف، غاصت ببحر من دم مفارقةً الحياة تاركة زهور عمرها تذبل في قلوب الآباء. وفي الشهر ذاته (حزيران)، يوم خُصِّص لمناهضة عمالة الطفل، مع العلم أن الواقع السوري يحكي عكس هذا اليوم، فقد باتت ورشنا ومعاملنا والمحال التجارية تعجُّ بالأطفال العاملين فيها، فبدل أن نراهم على مقاعد الدراسة بتنا نصادفهم في كل زاوية من زوايا الوطن بياعين متجولين، عمال نظافة، نبّاشين، صبية محال تجارية وتوصيل طلبات، متسولين، أطفال شوارع لا يملكون سقفاً يحميهم من تقلبات الطقس، ولا جداراً يرسمون عليه أحلامهم.

وهنا تغيب الرعاية وتسقط كل القيم والمبادئ! أليس من الواجب أن يُجمع هؤلاء الأطفال في مراكز رعاية تعالج نفوسهم من قباحة الطريق وتُشذّب حياتهم وتنمي مواهبهم لنعيدهم للمجتمع أشخاصاً أكفاء قادرين على بنائه وتطوره. لكن يبدو أننا نُخصّص أياماً عالمية ضمن تقاويم فقط، أما الواقع فهو عكس هذه التقاويم.

لقد كُتب علينا نحن السوريين أن نكون على التقويم فقط، مع أن التاريخ سطّر اسمنا بأننا أول إنسان وجد وأخذ من دمشق موطنه واعتبر عمرنا بعمر التاريخ، لكنهم جعلوا حقوقنا أوراق تقويم تُمزق كل يوم ليبدأ يوم جديد.

العدد 1105 - 01/5/2024