ربما بات الأمل بعيداً

وعد حسون نصر:

كلّما لاح في الأفق بريق أملٍ بفرجٍ قادم، تأتي قرارات جائرة فتتبخّر آمالنا بالفرج، وتعود أحلامنا أدراجها مُحبطة بعد أن كانت تزهر بألوان الفرج التي ستأتي خلف سنوات عجاف، ولكن خيبة الأمل غابت مع أحكام من المريخ، بعيدة عن الواقع السوري، لأنها خلت من منطقية الطرح، فبين ليلة وضحاها يمكن أن تجد ارتفاعاً في السعر وخاصة لما يُسمّى مواد مدعومة قد تفاقم  لعشرة أضعاف الثمن، أو قد لا تجدها تحت ذريعة مقطوعة بسبب أحكام قصيرة، وتضارب سعر القطع الأجنبي مع العملة المحلية، أو قد تجده صدفة بقطعة واحدة تحت عبارة لك فقط، وبسعر ارتفع  ضعفين عن السعر الحقيقي، وخاصةً الدواء الذي لا يمكن الاستغناء عنه مثل الضغط والسكري والقلب والغدة للمُسنّين.

قيدونا ببطاقة ذكية في بلد عاد إلى الخلف أعواماً مع غياب الكهرباء التي هي عصب الحياة، فهي مُشغّل الحاسوب الأول، ومُشغّل مزوّد الإنترنيت، مُشغّل أبراج الاتصالات، وشبكات الهاتف، فكيف تفرضون بطاقة ذكية تعتمد على الرسائل الإلكترونية وتُغيّبون الكهرباء التي تساعد على إرسال هذه الرسائل للمواطن. ثمّ، لماذا بات رغيفنا مُقنّناً بهذه البطاقة الملعونة، كذلك الغاز والمازوت، والسكر والشاي والرز، والبرغل اللفقير مسامير ركبه والحمّص.. حتى عبوة الماء! لماذا هذا الشّحّ في بلد زراعي تتموّج محاصيله مع تقلبات فصوله بأربعة أنواع، كل نوع يرمز لفصل؟ هل نحن أمام مشكلة الجفاف، أم مشكلتنا الأكبر سوء الإدارة والتنظيم والتخطيط!؟ هل يُعقل أن ترتفع أسعار سلع مفقودة كالغاز والمازوت والبنزين!؟

وفّروا هذه المواد في السوق أولاً ثم ارفعوا سعرها، لا مانع، والأهم لماذا يكون دائماً من يسدُّ العجز هو المواطن المنهك؟ لماذا لا تأتي الحكومة على نفسها قليلاً وتساهم في عملية البناء والإعمار وإنعاش الاقتصاد من خلال تشجيع أصحاب المهن الصغيرة، كورش الخياطة، ومعامل الكونسروة وغيرها، من خلال منحهم قروض دون فائدة وتوفير الوقود والكهرباء بالسعر المناسب. بهذا تنشط الأسواق المحلية وتزداد القوة الشرائية ضمن السوق التجاري الداخلي، وبالتالي هذا يرمّم العجز الاقتصادي الداخلي، وقد نستطيع التصدير الذي من خلاله نحيي اقتصادنا وننعش الليرة أمام سعر الصرف. لا جدوى من رفع الأسعار إذا كان المواطن يعجز عن شراء حاجاته الأساسية من طعام ودواء ولباس، فمن الطبيعي براتب لا يساوي عشرة دولارات أن يقف صاحبه عاجزاً عن شراء علبة سمنة سعرها ما يعادل أربعة دولارات، وكيلو سكر سعره يعادل دولاراً ونصفه! هنا ذهب الراتب على سلعتين، فلماذا تعودون لترفعوا أسعار الوقود من جديد، كمن يضع العصا في العجلات، وهذا ما يحصل مع الصناعي ومع التاجر ومع أصحاب المحال التجارية وصاحب العقارات وغيرها، نتيجة فرض ضرائب وأتاوات من قبل المالية وغيرها شلّت حركة البيع والشراء في كل المجالات، وتوقفت الكثير من المصانع عن العمل، وأُغلقت  الكثير من المحال الشعبية التي كان يعتاش أصحابها منها، فلا يمكن أن يُبنى بلد بقرارات لا تتوافق مع واقعها وخاصةً إذا كان هذا البلد مازال يخرج من أزمةً صدّعته تجارياً وصناعياً وأمنياً واجتماعياً وأخلاقياً! لذلك أعيدوا صياغة قراراتكم لتعيدوا عجلة مصانعكم وتنعشوا أسواقكم وتُحيوا بلادكم التي باتت أشبه بعجوز يلفظ أنفاسه الأخيرة والجميع يتقاسمون تركته أمام عينيه غير مبالين بمشاعره. أعيدوا الحياة للبلد بقرارات ذكية لا ببطاقة غبية.

العدد 1105 - 01/5/2024