البرمجة العقلية

ياسمين تيسير أبو ترابي:

سقوط شبابي مُريع في مستنقعٍ أخلاقي صعب منه الانتشال.

لنتفق جميعاً أن هذا السقوط مجرّد ابتكار تواصلي سافل ومحتوى اجتماعي قذر وعبقرية من وحي الأبالسة.

فالذكاءُ والغباءُ اليومَ وغداً صناعةٌ رقميةٌ بالكاملِ.

إنّها نوعٌ من التحقير والسفالة على حدِّ تعبير أحدهم في مجتمعنا.

لعلّها واحدةٌ من أحقرِ السفالاتِ الّتي تنشغل بها (السوشل ميديا) العربية على الإطلاق.

فمكرُ منصّات التواصل الاجتماعي وخداعها جعلت شبابنا وفتياتنا يقعون تحت شِباك التسوّل وضحيته.

فالخوف الشديد من المصير المجهول الذي يتعرّض له شبابنا، يدفعهم لارتكاب الحماقات، فلم يبقَ أمامهم سوى استعمال الإنترنيت بطريقة مُثلى للخطأ.

ونظراً لسوء الأحوال المعيشية فقد بثَّ في نفوس الشباب شجاعة موقتة وضعفاً في الوقت ذاته، فأصبحَ البعض منهم يستخدمون تطبيقات التواصل الاجتماعي إمّا للتسوّل وإما للابتزاز لكسب أجور مادية تسدُّ رمقهم في الثواني المُتبقية في الحياة.

وبعد طولِ تأملٍ توصلتُ إلى قناعةٍ واضحةٍ ألا وهي: أصبح استعمال منصّات التواصل الاجتماعي إمّا لصناعة الأحزان ومواساة للعجز الّذي وقع في شِباكه الشعب العربي، وإمّا للتسوّل. والطريف في هذا ليس تقليلاً من الوقت المهدور، ولكن كان من الممكن استغلال هذه المنصات في مواضيعٍ ذات أهمية، لكنه كذلكَ انحرافٌ من حزمة انحرافات مشؤومة أضرّت وأساءت لوظيفة التواصل الاجتماعي، وأخّرت نجاحه عربياً عشرات السنين.

هذا الكائن الاجتماعي على ما يبدو أدرك من أين تؤكل الجيف، فامتلك وجهاً مُقزّزاً وغبياً خلافاً لهاتفه الذكي، ومرتبطٌ بشبكة الأنترنيت بسخاء، يتحدّثُ بصوتٍ نقي وصورةٍ ذاتَ جودة عالية، ويعرفُ جيداً ما يمكن القيام به.

أمّا السيناريو فقد بدأ محبوكاً للغايةِ وبشقاء الأبالسة، إذ يتوفّر عندَ الشخص ذاته على حسابٍ نشيطٍ، وصداقاتٍ تتجاوزُ المئات، وتعليقاتٍ وعلاماتٍ وصواعق تفوق كلّ الحدود.

ألم أقل لكم إن هذا الكوكب الأزرق الذي نركبه، حوّله البعض إلى سافل مُنحطٍّ ورديء، لقد تمَّ ابتكار أحقر وسيلة لانحدار القيم وتردي أخلاقياتها من على أرض الواقع رقمياً إلى سماوات الله المفتوحة من دون حظر وبكامل الحرية.

يحدث هذا بالموازاة مع الفجائع المرتقبة للذكاء الاصطناعي.

إبداعٌ شيطاني لئيم فاقَ كل الحدود، ويبدو أنَ السقوط المُريع في هذا المستنقع بلغ من الرذالة والانحطاط إلى حدٍّ يُصعب انتشاله، لاسيما في ظلّ وجود من يدعمه ويؤازره لدواعي الشفقة الاجتماعية ولو بالتضامن مع المُنكَر الضّال.

أمّا عن نفسي، فلا أميل إلى دعم مثل هذه السخافات، ولو من باب تغيير المُنكَر بالقلب. حتّى لو افترضنا جدلاً أنّ يداً رحيمةٌ أبدت رغبة في المساعدة.

فما آلية العمل؟ وما الكفاءة المطلوبة؟

رجعتُ إلى نفسي مُضطرباً، ليسَ بسبب طلب شاب أو فتاة المساعدة على (السوشل ميديا) هو ما بثَّ في قلبي الحزن والاضطراب، ولكن لأن هذا (السوشل ميديا) تحولَ إلى موقفٍ للتسولِ، وصناعة الحزنِ. لقد كانَ في وسعِ شبابنا وفتياتنا أن يقولوا شيئاً آخر أكثر تفاؤلاً ونضجاً، أو أن يصمتوا على الأقل! أو بذل المزيد من القدرات العقلية لإنشاء جيل يعي المعرفة الحقيقية في استخدام (السوشال ميديا). غيرَ أن هناك شيئاً آخر بدأَ يُعذّبُ القلوبَ، فشبابنا وفتياتنا لا يفهمونه إلاّ أنه شيءٌ له علاقة بتفاهة عالمنا وحشد الدعم الهائل رسمياً لها.

العدد 1105 - 01/5/2024