انظر إلى نفسك بعينها

جعفر فرح خضّور:

دائماً ما أنطلق من مبدأ يقول: (الإنسان رهينة ما يُفكّر فيه). ومن هنا نستطيع فهم طبيعة النظرة الذاتية المُحدّدة لمصير كلّ فرد منّا، هذه الطبيعة تتطلّب برأيي أمرين أساسيين لا ينفكّان أحدهما عن الآخر:

الأول، هو مدار اتساع النظرة للذات.

والثاني هو مصداقية هالة المدار الدالّة على الذات الحقيقية.

فالإنسان بطبعه التكوينيّ هلوعٌ منوعٌ مصيره بيده إن رغب، والرغبة إنما تتطلّب الرغبة بالإرادة، فالكلّ يتمنى ويرجو ويتصوّر ويتخيّل …إلخ، لكن عندما تبحث عن الرغبة ستجدها شبه معدومة وقد لا تتعدى حدود التمنّي المكرور.

في هذا الصدد، أرى أن الإنسان ما هو إلاّ انعكاس لنظرته الواعية إلى ذاته، فهو الحاصل لجمع من مكبوتات تتلاقى مع مدرَكٍ يتمظهر في التصرّف، في الحركة، في الكلمة المُترجمة لمخبوئية ذاتيته، ومعادلة عقله الموضوعية، والنظرة تكون أمام سؤال مفصلي:

أيّة نظرة نقصد، تلك المُجرّدة من القوّة الكامنة في كلّ شخص منّا والتي تختلف من واحدٍ إلى آخر؟ في الوقت ذاته، هل هي المُجرّدة من معايير التأثّر والتأثير بالواقع المحيط المكدود بكل القساوات، أم بالنظرة العميقة جداً المنافسة لعمق المحيطات بمدِّ بحورها وجزرها؟

الأخيرة هي النظرة الآتية من المعرفة الدّاعية لفهم النفس والذات، كونها المعرفة المتربعة على عرش المعارف، يقول باب مدينة العلم الإمام علي عليه السّلام: (أفضل المعرفة معرفة الإنسان نفسه). فمن هنا يجب أن تكون النظرة من المعرفة بالنفس لا أن تتجرّد عنها فتغدو عالةً تظلم النفس، لأنها الأنفع والأجدى، وفيها يُختزل مسير النفس النقية.

وعليه، الناجح رأى نفسه كذلك، المُتعب أبى الشفاء، الحياة لا تسير في منحى واحد، ولا بسياق أوحد، ونُخطئ عندما نعتقد أن نظرتنا إلى الواقع ثابتة، أو أنها تختصر مكنوناً فيه الكثير من العِبر والاعتبار، تصوّر معي: موقف جميل جداً حصل معك، ألا تشعر أن كل الدنيا معك!؟ في الوقت نفسه، موقف حزن عميم، ألا تشعر أن كلّ الدنيا عليك!؟ من هنا قارب وانطلق، لكن في طريقك إلى ذلك احرص ألاّ تضيع أو تدخل مغبّات التيه، فرحلة البحث عن الذّات طويلة ومليئة بالعثرات، خاصةً في الزمن الذي يُصفّق للباطل وقوفاً، ذلك أن الحق يناجي العقل دوماً، والباطل يتسلّل خفيةً منه لرغائب النفس، فيغدو طريق الصراط مليئاً بالأشواك، فانظر إلى ذاتك لتكن أنت رغم واقع يقول: أنا ما لم ترد، فكن أنت ما تريد، إن لم يكن ما تريد، في ذاتك الضاجّة بنظرةٍ لها نفسها.. تخبرك بالقول: أنت – أنت فيك الدواء وفيك الأدواء.

العدد 1104 - 24/4/2024