نظرتنا إلى أنفسنا تُحدّد مصيرنا

إيمان أحمد ونوس:

( إن نظرتنا إلى أنفسنا هي التي تُحدّد مصيرنا) عبارة قالتها سيدة ستينية حين تعرّضت لموقف مُفاجئ دفع الصحافة لتسليط الضوء عليها حينها:

ففي عام 1977 م قامتْ السيدة الأمريكية (لورا شولتز) البالغة من العمر 63 عاماً برفعِ مؤخّرة سيارة وحدها لتُحرِّر ذراع حفيدها من تحتها!

لم تكُن لورا رافعة أثقال، ولم يَسبق أن دخلتْ نادياً رياضياً، على العكس تماماً كانت جدَّة تقليدية تشكو آلاماً في عظامها ووهناً في مفاصلها، غير أنها عندما رأتْ ذراع حفيدها تحت إطار السيارة جاءتها قوة رافع أثقال أولمبي!

أجرى الصحفي (تشارلز جارفيلد) مقابلة معها، فتفاجأ أنها حزينة، ولا ترغب بالتحدّث في الأمر، وعندما ألحَّ عليها ليعرف سبب حزنها رغم أنها قامتْ بعمل بطولي أشبه ما يكون بمعجزة، وأنّه لولا تصوير الحادثة لم يكن لأحد أن يصدق أن هذه المرأة العجوز استطاعت أن ترفعَ مؤخّرة السيارة وحدها! فقالتْ له:

(أنا حزينة لأني اكتشفتُ في الوقت الضائع من حياتي سرّ الحياة برمتها، نحن نستطيع أن نفعل المعجزات إذا آمَنّا بقدرتنا وكان لدينا الرغبة والحافز، عندما رأيتُ يد حفيدي تحت إطار السيارة لم أشُك للحظة أنِّي قادرة على رفعها، فلم أقُم بالأمر من باب التجربة، على العكس تماماً لقد كنتُ في تلك اللحظة على يقينٍ أني قادرة على فعلها. في اليومين الماضيين استعرضتُ حياتي الماضية، أشياء كثيرة كنتُ أودُّ أن أفعلها ولكن الخوف من الفشل منعني عنها، لقد اكتشفتُ أني كنتُ قادرة ولكن إيماني بنفسي لم يكن موجوداً، إن سرّ النجاح أن يؤمن المرء بنفسه!).

ويتابع الصحفي، ما أعظمها من حكمة: إن سرّ النجاح أن يُؤمن المرء بنفسه!

لا أحد يستطيع أن يُسقطكَ أرضاً إلاّ بمساعدتك! ولا أحد يستطيع أن يقودك إلى النجاح ما لم ترَ نفسك ناجحاً أولاً، إن نظرتنا إلى أنفسنا هي التي تُحدّد مصيرنا.

إن هذه الحادثة والحالة التي قرأنا عنها تُشير بلا شكّ إلى أن الإنسان يمتلك قدرات هائلة قد لا يشعر بها إلاّ في حالات طارئة ومُفاجئة كما حصل مع هذه السيدة/ الجدّة.. بحيث تدفعه لإعادة تقييم إمكاناته وقدراته التي أهملها سابقاً لجهله بها أو خوفه من الاخفاق فيها، فيحاول مُجدّداً استثمارها بما يعود عليه وعلى محيطه بالفائدة بغضّ النظر عن العمر وما حمله من تجارب. هذا من جهة، ومن جهة أخرى إنها رسالة لكل إنسان لم يتعرّف إلى ذاته جيداً، ولم يحاول اكتشاف ما لديه من قدرات ومهارات مختلفة تُمكّنه من الوصول إلى النجاح وتحقيق هدف وجوده في الحياة بينما يعيش التلقائية والعفوية التي لا تُغني ولا تُفيد.

في الحقيقة كلٍّ منّا يمتلك قدرات تؤهله لأن يكون فاعلاً ومؤثّراً في محيطه، وما عليه إلاّ البحث عنها واستكشافها واستنهاضها لتنقله من خانة (اليَك) كما يقولون، إلى خانة الفعل والاجتهاد. لكن قبل هذا علينا الإيمان بأنفسنا وامتلاك الثقة بها وبأننا قادرون على فعل أيّ شيء، مُبتعدين ما أمكن عن الخوف الذي قد يواجهنا أو يعترينا قبل الإقدام على الفعل (رغم أن هذا الخوف مشروع في بعض الحالات، فهو ينمُّ عن إحساس عالٍ بالمسؤولية تجاه الذات الساعية إلى النجاح). وكذلك الابتعاد عن الخوف من الفشل، رغم أن هذا الفشل وارد ومشروع كما الخوف تماماً، شريطة محاولة الاستمرار والإصرار على الفعل وصولاً للهدف والمُبتغى.

إن خلق شخصية واثقة ومؤمنة بنفسها وبإمكاناتها وقدراتها يبتدأ من الطفولة والتربية الأسرية، وهذا بالتأكيد مسؤولية الأبوين منذ سنوات الطفولة المُبكّرة وصولاً إلى مرحلة المُراهقة التي تحتاج أكثر من غيرها إلى تعزيز ثقة الطفل بنفسه وبإمكاناته ومواهبه التي يمتلكها، واحترام كل محاولاته لإثبات ذاته وبأنه قادر على فعل الكثير ليصل إلى النجاح المرغوب والمطلوب وصولاً للعمل أو المكانة المنشودة (بمعنى تحديد المصير أو المستقبل الخاص بالشخصية)، وذلك بالتشجيع الدائم، واعتبار بعض حالات الفشل التي قد تُصادفه طبيعية لأن لا نجاح أكيداً إن لم نفشل مرات ومرات تكون دافعاً للنجاح والتميّز المُستمرَين. كما أن للمدرسة دوراً لا يقلُّ أهمية عن دور الأسرة، وذلك من خلال المناهج القائمة على تعزيز ودعم محاولات الاكتشاف عند الأطفال واليافعين، وكذلك إفساح المجال أمامهم للتعبير عمّا يريدون بعيداً عن أسلوب التلقين الذي لم يُجدِ نفعاً في تخريج أجيال تمتلك القدرة على التفكير الحرّ ومحاولة التجريب وصولاً إلى ما تصبو. وهذا كله يتطلّب كوادر تعليمية مؤهّلة تمتلك ثقافة تربوية عصرية بكل ما تحمله كلمة عصرية من معانٍ مُتعدّدة.. لأن سرّ النجاح يبدأ من الإيمان بالذات وقدراتها وإمكاناتها اللامحدودة في كثير من الحالات. ولاحقاً، يبقى على أيٍّ منّا الاستمرار في تنمية مهاراته ومعارفه من خلال متابعة كل جديد على مستوى اهتماماته ليكون للحياة معنىً نستحقه ويليق بنا.

العدد 1104 - 24/4/2024