من ذاتي أنطلق

وعد حسون نصر:

بقدر تقديرنا لذواتنا ومحبتنا لشخصيتنا نستطيع الانطلاق ورسم الخطوط الأولية لحياتنا، فعندما نحب أنفسنا ونتصالح مع طباعنا ونتقبّل شخصيتنا، فمن الطبيعي أن نتقبّل من حولنا ونكون إيجابيين ومتفاعلين وفاعلين في المجتمع.

الرضا وتقبّل الذات أهم من إرضاء الآخرين، لأن تقبّلك لذاتك هو مفتاح وانطلاقة لك للتواصل مع العالم. الشخص المهزوم والضعيف أمام نفسه لا يستطيع المواجهة، لا يستطيع التطور، هو دائماً في حالة صراع مع هواجسه ومع نجواه، فهو مشغولٌ بتأنيب ذاته أكثر من مكافأتها. دائماً نرى الأشخاص المتصالحين مع ذواتهم متصالحين مع الجميع، نراهم متقبّلين للجميع لدرجة أنهم مرجعية للاستشارة بالكثير من المواقف، ويكون كلامهم وآراؤهم موضع ثقة الجميع. هؤلاء الأشخاص يعملون بصمت، بهدوء بعيداً عن الثرثرة والفوضى، لذلك تراهم يصلون إلى أهدافهم لدرجة أنهم يفاجئوننا جميعاً بما وصلوا إليه من تقدم ونجاح.

يتسم الشخص القارئ لذاته والمُتحكّم بعواطفه وانفعالاته بالهدوء، والقدرة على إيجاد حلول منطقية بالتركيز، يسعى نحو أهدافه بالمسامحة، بمعنى أصح، التجاهل وخاصةً للمواقف الصغيرة، فمن وجهة نظره هو لا يشغل تفكيره بترّهات تَصرِفُهُ عن الهدف الأساسي، لذلك تراه يتعامل مع الأمور بمرونة، لا يأخذ وقتاً طويلاً بالتحدّث مع نفسه، فهو بشكل تلقائي مُتحّكم جيد بذاته، اجتماعي يُحسن التعامل مع من حوله، لا يتذمّر ولا يثير غضبه في حال كان الشخص الذي أمامه غاضبٌ مُتذمّر، بالمعنى الأدق يكون هو الدبلوماسي في التعامل، ويجعل من نفسه ممتصّاً لغضب الآخرين، ربما ليُحافظ على هدوئه الداخلي، أو ليبقى بصورة الإيجابي أمام الآخر. لذلك غالباً ما تراه يصنع خطواته ويجعل من حياته سُلّماً يصعده بتسلسل الدرجات والخطوات لينال الهدف المرجو في الوقت المناسب والمكان المناسب، بعكس المتذمّر الناقم على روحه، ذاك الشخص العاقد الحاجبين لا يرضيه شيء، كثير الكلام قليل العمل والتفكير، لا يستطيع تدبير الأمور ولا حتى إيجاد الحلول، وهذا ما يجعله منصرفاً عن هدفه ومرتجاه، كثير الشكوى وكثير اللوم لذاته، ما يجعله بعيداً كل البعد عن التطور والتقدم والعطاء، دائماً يحتاج نصيحة  الآخر واستشارته رغم أن الجميع يرشده للصواب، إلاّ أنه غير مقتنع، ومُشكّكٍ بأفكار ومقترحات الجميع لأنه نفسه لا يعرف نفسه لكي يتقبّل ويعرف من حوله.

ومن هنا كانت العبرة لتعرف من حولك اعرف نفسك أولاً، لتحكم على الآخرين بصواب انطلق أحكامك على نفسك أولاً، واجعل من روحك نقطة البداية، اجعلها حلقة وصل مع من حولك، أحبَّ نفسك وامنحها الدلال لتحبك وتُحبّب الآخرين بك، لا تقف موقف المعادي لكل موقف كبير كان أو صغير، لا تُكثر من عبارات التمني فهي تجعلك تثير الشفقة على ذاتك وتشعرك أنك مظلوم ومهزوم ومُحبط، وهنا ينحصر سقف طموحك بالدعاء والترجي وانتظار الفرج لتنصرف عن السعي لتطوير داخلك والشغل على ذاتك كي تصبح أكثر مرونة وعطاء.

لذا، أجدني مع مقولة نظرتنا إلى أنفسنا مفتاح شخصيتنا أمام الآخرين وصلة الوصل بيننا وبينهم، وطريقنا النجاح وسبيلاً لتطورنا وعطائنا، فبقدر ما نكون مُحبين لداخلنا، لروحنا وذواتنا، نستطيع تغيير الكثير من رؤيتنا لأنفسنا، لقوتنا وطباعنا، فنغدو متقبلين لأنفسنا وللآخر، ومنفتحين عليه، فنستطيع العبور لأي مكان وأي روح، لأن جواز سفرنا هو روحنا الجميلة المُحببة لدينا، بالتالي نكون في سعادة لأن جمال الروح ينعكس على جمال الشكل، وإن كان الشخص قبيح الشكل فروحه الحلوة تجعله جميلاً ومشعّاً دائماً.

العدد 1105 - 01/5/2024