قهر مُكبّل بالذل

وعد حسون نصر:

هذا القهر الوليد عن العجز، عن الحيرة والوقوف مكبلي الأيدي أمام عجزنا عن شراء رغيف يسدُّ رمق الجوع عند أطفالنا، والسبب هو الفقر الذي أحاط البلاد، وإلغاء ما يُسمّى بالطبقة الوسطى التي كانت أشبه بالعواميد ما بين الطبقة الغنية وطبقة محدودي الدخل.

لكن للأسف، مع التضخم وانخفاض القوة الشرائية وارتفاع الأسعار بالشكل المبالغ به، وعدم تناسب الدخل مع المصروف غابت الطبقة الوسطى واشتدَّ الفقر، وأصبح مجتمعنا السوري عبارة عن طبقتين فقط، طبقة أغنياء وتجّار الحروب والفاسدين منتهزي الفرص بالربح غير المشروع متّحدين جميعاً أمام الطبقة الأكثر تعداداً وهي طبقة على خط الفقر أو تحته، وقد باتت تُشكّل اليوم سواد المجتمع أو ما نسبته 90% منه، وهنا بتنا نرى تصدّع القيم وظهور مبررات تنافي الأخلاق، فأصبح فعل السرقة لدى البعض مبرراً له بالفقر والجوع والحاجة التي اضطرت مرتكبه للقيام بهذا الفعل لإطعام عائلته وتلبية احتياجاتهم، كذلك الأمر في حالة اللجوء للخطف بغية الفدية والتي انتشرت كثيراً وخاصةً في الأماكن الريفية لبعض المحافظات يرافقها عبارة الغلاء. أيضاً قرارات الحكومة المجحفة أوصلت كثيرين لممارسة هذه التصرفات وغيرها كانتشار مظاهر كثيرة منها الاتجار بالبشر وبشكل علني وبكل مظاهر الاتجار من الاستغلال الجسدي، للدعارة، للاستغلال المهني وغيره. كذلك ازدادت نسبة الجريمة بغاية السرقة، والاتجار بالممنوعات، وتبييض الأموال، والنصب تحت مبرر الحاجة وسدِّ الرمق.

ولا ننسى البطالة وتسرّب العديد من الأطفال من مدارسهم ولجوئهم لسوق العمل والسبب المباشر هو الفقر والحاجة المادية. نعم، سبب هذا التشتّت والضياع والتفكّك في المجتمع هو الفقر الذي صار أشبه بالبرد والصقيع سبباً لكل علّة، ومع ذلك ما زلنا نُعجب بل ونُدهش لصمِّ الحكومة ومجالسها آذانهم عن سماع أنين الناس وشكواهم وإغلاق عيونهم عن انهيار مجتمع بكامله، فلا تتردّد هذه الحكومة يومياً عن رفع أسعار سلع أساسية أهمها الدواء والغذاء، وكذلك الوقود بمشتقاته متجاهلة ضعف القوة الشرائية وعدم تناسب الرواتب مع زيادة سعر السلع، وهذا الشيء أدى لتبرير المحتاج لأي فعل سلبي يقوم به!

كثيرون منّا يُردّد عبارة (لو كان الفقر رجل لقتلته)، والدليل على عظمة الفقر في خلق القهر والذلِّ والكيد في النفوس أنه يجعل من ذاق طعمه مشروع قاتل أو قاتلاً بالفعل، فلماذا كل هذا الصمت أمام اشتداد ساعد الفقر وقوة مخالبة على أعناقنا؟ أما آن الأوان لمحاربته، للتخلّص منه بقرارات حكومية سليمة، من تشجيع الفلاحين على الزراعة وخاصةً أننا نمتلك مناخاً صالحاً للزراعة، والتشجيع يكون بمدّهم بالبذار والوقود وشراء محصولهم بالسعر المناسب، وتأمين أسواق لهم لتصريف منتجاتهم، كذلك الصناعيون والتجار، أيضاً قطاع الكهرباء الغائب منذ عمر، أليس من الضروري تعزيزه وتفعيله لتعود الحياة الصناعية من جديد وتنتعش السوق المحلية ولو قليلاً، أيضاً ما الضرر من فتح معارض محلية وبسعر التكلفة تخدم الصناعي والفلاح والتجار والمواطن بالدرجة الأولى؟ فلماذا كل هذه الرغبة بإطلاق يد الفقر تعبث بالنفوس والبلد بدل تقييدها ليعود المجتمع قائماً على الإنسانية بدلاً من الجريمة! قيّدوا الفقر فهو سبب كل علّة وأعيدوا للمجتمع طبقته الوسطى فهي الأعمدة التي تثبت الطبقة الغنية وتساعد الفقيرة في النهوض لتمسح الذلّ بطموحها نحو الأفضل، وهكذا سيعود المجتمع السوري كما كان بل وأفضل.

العدد 1105 - 01/5/2024