حتى التعبير عنه فقير

جعفر فرح خضّور:

لا أعلم مدى استطاعة مقالتي التوفيق ما بين العقل والعاطفة في مقاربتها للواقع السوري المُزري في مسألة الفقر كقضية أساسية، في ظرف أشبه بمن يطارد خبزة تُسابق الزمن بسرعتها هاربةً من الفقير.

لم تعد مسألة الفقر في سورية مشكلة عابرةً، فمعدّل المُعدمين ممّن هم تحت خط الفقر يقارب 93٪ ، مقابل 7 ٪ تعيش حياةً مرفهّة وتأكل بملعقة ما يؤمّن قوت أسبوع كامل لأبناء النسبة التسعينية، فالواقع اليوم يتجاوز بهذه الصعوبة حدود المعقول والممكن، وينقسم المجتمع السوري في سواده الأعظم إلى طبقتين إمّا فقيرة مُعدمة، أو غنية، وحتى الفقير وإن لم يكن مُعدَماً، فهو نسي تماماً مسألة الادخار لأنه لا يعرف السبيل إليه، فكيف يدّخر ومصادر رزقه تأبى أن تشتري له إلاّ حاجة يوميّة لم تعد تلمح فاكهة لذيذة، أو لحماً، أو حتى خضار من نخبٍ مرتفع؟!

تتركّز العقبة الأساسية في عدم الرغبة الحقيقية في إيجاد مخرج للوضع المعيشي الكارثي، أمس كنتُ اتصفّح الفيس بوك، تقول إحدى سيدات الأعمال: (يبدو أنهم ينوون جعل دمشق كدبيّ، هل من المعقول أن أترك دمشق وأسافر لدبي، ما رأيكم؟)! والحقيقة أن هذا الموقف كان أشبه بجمرة حارقة، تعكس إلى مدىً كبير حجم الانحطاط الأخلاقي الذي يعيشه بعض أبناء الطبقة الغنية التي ابتنى بعضها على آلام ومواجع الطبقة الفقيرة مادياً، الثرية قيمياً وأخلاقياً على كل مقاييس الكرامة، وعليه بُنيت رؤية تستشرف سؤالاً مُهمّاً يتسق والواقع.. ما دام الفقير موغلاً بفقره والغني سارحاً باكتنازه الدنيويّ البائد، فمن ينظر إلى الآخر بحقّ؟ بل والأصح من الذي يجب أن ينظر إلى الآخر وبأية عين؟ مُقلةُ حاجة الفقير للغني! أم مُقلةُ الغني للفقير الذي يراه من العصور الحجريّة!؟

في مجتمعنا، الجواب موجود، كلاهما للآخر، لكن بنظرة أُفَضّل ألّا أذكرها، حتى أُبقي في قلبي تلك الغصّة النازفة دماً، فلا الدراما استطاعت أن تعكس حالة الفقير الصعبة، ولو استطاعت لأوجدت فرقاً، ولا الجهات الخيرية الفاعلة تخطّت حدود إبر المخدّر للفقير تحت شعيرة (فعل الخير).

الفرضية اليوم هي كيف نستطيع إيجاد حلٍّ لهذه العقبة التاريخية، ما السبل وأية أُطر داعمة لهم!؟

ثمَّ، هل فعلاً المجتمع لا يقرأ؟ ألم يلتفت ولو لمرة واحدة إلى نص ديني قرآني أو حكيم من ألسنة السائرين على درب الوصول للحياة الأبدية عن الفقير وإغاثته! عن مساعدته.

أن نندبَ الحظَّ لا يكفي، أن نلعن الساعة التي أوصلتنا إلى زمن نشتهي فيه سندويشة (شاورما) بعد أن اقتبلت بطوننا “بالفلافل)، أو نشتهي فيه كيلو من خضار نخب ثالث لأن الأول للطبقة الأولى في المجتمع!!

الحكمة موجودة، الفقر يلازم الفقير فكرياً، غير الراغب بالنهوض والغارق في ملذّاته الذاتية الشخصية، تذكّروا أيها الأحبّة من الفقراء، والعقّال من الأغنياء:

(لقمةٌ في بطن جائع.. خيرٌ من بناء ألف جامع).

العدد 1104 - 24/4/2024