لو كان العدل بالميزان لمات الفساد وحيداً

ياسمين تيسير أبو ترابي:

قال الإمام علي كرم الله وجهه: (لو كان الفقر رجلاً لقتلته!).

هذه المقولة فائقة الدلالة والقوة والمضمون لم يقلها إنسان عادي أو انفعالي، بل هو سيدُ البلاغةِ والحكمةِ، صاحبُ سيف ذو الفقار، وصاحب القول والعلم المشهود والخالد في تاريخ الإسلام، من تمثّل جوهر الإسلام ومضمونه الحقيقي في تحقيق المساواة والعدالة للإنسان والحرص على كرامته وتوفير سبل عيشه.

مثل هذا الرجل العظيم سيكون غضبه شديداً وهو يرى انعكاسات الفقر والعوز على أخيه الإنسان، هذا العوز الدافع نحو توجهين وطريقين متناسبين مع درجة وعي الفرد المعوز وحصانته وتربيته.. فهي إمّا تدفع الفرد باتجاه القردنة والثعلبة والتسوّل الأخلاقي، أي ما يقود نحو الانحراف والمسكنة ومهادنة المسؤول واندثار القيم الإيجابية، ممّا يجر إلى الفساد والنفاق وانتشار الأمراض الاجتماعية المختلفة كالسرقة والرشوة والاحتيال والكسب غير المشروع والسكوت على الظلم، وهو حال كثيرين ممّن والوا الأمراء والملوك والسلاطين في الماضي والحاضر، بل هم وسيلتهم في قمع أهل الحق والعدل وقتلهم. وإمّا أن يقود نحو إدراك السبب الكامن وراء الفقر والعوز وخصوصاً من قبل أصحاب السلطة والثروة والجاه، ممّا يدفع المعوز الى الثورة ضدّ هذه السلطات والمهيمنين على الحكم باعتبارهم السبب الرئيسي وراء عوزه ومذلته وفاقته واستحواذهم على الثروة ومصادر إنتاجها وتكاثرها.

نتيجة ما سبق كانت مقولة نصير الفقراء وعدو الاستئثار ورائد الإيثار الإمام علي في قوله أعلاه الذي وصلت قوته حدَّ القتل للنفس المحرمة إلاّ بالحق.. وهل هناك من هو أفضل وأعلم من الإمام علي بالحق وامتثاله للشريعة السماوية وتفسير أحكامها؟

بمعنى أن من يُفقر الناس ويذلّهم لعوزهم، ومن يولد الفقر يستحق القتل بحقّ.

وهنا نسأل ماذا يقول سادة العروش وأصحاب الكروش والمناصب العليا وحواشيهم ممّن استأثروا بالثروة والمال العام، خصوصاً في سورية اليوم، التي يعيش غالبية شعبها تحت خط الفقر وحالة من العوز والحرمان، أغلبية شعبية تعيش في ظلِّ أسوء الخدمات كالكهرباء والماء والسكن والخدمات الصحية وغيرها!

يُشار إلى الفاسد ولكنه لا يُحاسَب، يُشار إلى السارق والمُختلس ولكنه لا يحاكم، القضاء يحكم وأحكامه لا تُنفّذ أو تُنقض، مسؤولين يتنكرون لأصوات المظلومين ويتستّرون على المفسدين والفاسدين، قصور تُناطح السماء وخرائب تعانق الأرض.. فما هو قولنا وما هو فعلنا يا أبا الحسن ونحن نشهد آلاف الأطفال الجياع والنساء المتسولات والشيوخ المرضى، وآلاف بيوت الصفيح؟! ما هي المُبررات أمام قولك يا عليّ لمن امتلكوا الضياع والقصور واختزنوا الذهب والفضة والدولار؟ ماذا سيقول أمامك من يسلب قوت الشعب ويسرق أمواله، أموال العاجز واليتيم،  ماذا يقول من يبات مُتخماً وحوله ملايين الجياع؟

العدد 1105 - 01/5/2024