مقاربة في مفهوم الإنسان

جمال نفاع:

طرح كارل ماركس نظريته عن الإنسان، متبنّياً النقد الجدلي الصارم، وقد اعتبر الإنسان نتاجاً للظروف الوجودية والتربية، وهذا في جوهره: تأكيد على تعريف النفس في بعض مصادر الفلسفة العربية الاسلامية.

لقد طرحت بعض مدارس الفلسفة العربية الإسلامية هذه الفكرة، فقالت: إن النفس الإنسانية ذات طبيعة شفافة، ومعتبرة العقل ذا طبيعة شفافة، وهذه الطبيعة الشفافة تعني أن النفس لديها قوة لتعكس الظروف والتربية فيها، وتبني هذا المنهاج التربوي، وتقبل أثر الظروف قهرياً أم طبيعياً، وانعكاس الواقع عليها، من خلال شفافيتها، يظهر من خلال السلوك الانساني وطريقة التفكير، وأيضاً في مختلف المواقف والتصورات، الذي يعني، أن النفس لديها تقبّل لأثر التربية والظروف فيها.

المقصود بالشفافية، هي تقبّل النفس أفكار البيئة التي تعيش فيها، فتعكس الظروف المختلفة لهذه البيئة أيضاً، من خلال سلوكها، وتتخذ منها منهاجية تفكير وعمل، في التعامل مؤثراً ومتأثراً بالبيئة والظروف المختلفة.

هذه النظرة (إلى الفلسفة العربية الإسلامية وماركس)، تأتي من كون الذات الفردية، بحاجة إلى وسط (طائفة أو حزب أو قومية أو إطار مجتمعي)، لكي تعبّر عن وجودها، وتستشفّ الواقع، وتتبنّى منظومة قيم ومفاهيم في التعامل معه، وهذا ما يشكّل مفهوم البيئة الاجتماعية للفرد، فالذات الفردية تعكس المنظومة التربوية لهذه البيئة، ومختلف الظروف المتبلورة، التي تشرط وجودها وبنيتها الفكرية، وتعكس البيئة أيضاً النفسية المشتركة، والنظام الفكري لأفرادها.

هذه الشفافية تتمظهر الآن في أن الإنسان كائن اجتماعي، وهو ما أكده فيورباخ قبل ماركس، فسابقاً في العهد الاقطاعي، كانت الرابطة بين الإنسان والأرض أقوى من الرابطة بين الإنسان والإنسان، فلم يكن الإنسان الكلي أو الإنسان ككائن اجتماعي متبلوراً، على الرغم من حاجة الذات الفردية إلى وسط جمعي، تعبّر فيه عن مكنوناتها، وتحقّق فيه ذاتيتها الخاصة. وفي ظل علاقات الإنتاج الرأسمالية، أضحت العلاقة بين الإنسان- الإنسان أقوى، مقارنة بعلاقته بالطبيعة والأرض، مما أدى إلى تقبّل النفس أو الذات الفردية، أو امتصاصها الطبيعة الاجتماعية، الناجمة عن الشكل الاجتماعي للإنتاج، بحكم أن الإنتاج وشكله هو حجر الزاوية، في تحليل الجماعات والمجتمعات، وكذلك الفردية الإنسانية، وتقلّباتها.

هذا التطابق القائم بين ماركس والفلسفة العربية الاسلامية، لم يأتِ عبثاً، أو مصادفة، بل كان في مضمون قول كارل ماركس، في تحليله للنفس الإنسانية، وإن كان لم يقلها مباشرة، ذلك أن مفهوم الإنسان لدى ماركس قد أتى بعد اطلاعه على الفلسفة عندئذٍ، من تحديد لمفهوم الإنسان، والعوامل التي تساهم في تكوينه الشخصي وطريقة تفكيره، وهذا آتٍ من كون ماركس كان هيغلياً يسارياً، وتأثر بهذه الفلسفة، ومستوعباً لمجمل تلك الفلسفة، إضافة إلى تحديدها مواقفه، على الرغم من نقده الشامل للفلسفة الألمانية المثالية.

بالمحصلة، قدّم الشهيد حسين مروة، تحليلاً منهجياً للفلسفة العربية الاسلامية، وهذا يطرح أهمية استكمال عمله، من خلال البحث المنهجي، وامتلاك أدوات النقد الجدلي، ودراسة الشروط التاريخية للتطابق والتشابه، وكذلك الفوارق الفكرية والتاريخية بينهما، لتجذير الحركة الماركسية في التربة المحلية، وصولاً إلى تغيير هذه البيئة من القاعدة، وليس بشكل نخبوي، أو من خلال القمة فقط، لأن التغيير يحتاج إلى توافر شروط موضوعية وذاتية، ومستوى نضوجها، يعبّر عن المآلات الأخيرة للتغيير، وحدوده.

هذه القضية تحتاج إلى نقاش واسع، واطلاع شامل، ودقيق، على مسار الفلسفة، لربطها بالشروط التاريخية لمستوى تطور الإنتاج وقتئذ، وحركية الفكر آنذاك، وأنماط الإنتاج السائدة في ذلك الوقت، وتقديم مقاربة حديثة، نتمكن على إثرها من دمج الكتلة الشعبية، التي تتبنى تيارات مختلفة من الفلسفة العربية الاسلامية، في مسار التحرّر الكامل.

العدد 1105 - 01/5/2024