لا تحدثني عن عيوبي!

حسين خليفة:

يحفل الشعر والتراث بالكثير ممّا قيل عن موضوع العيب وملاحقة عيوب الآخرين، وحسبنا في البدء قول الشاعر العباسي ابن الرومي وهو ينهى عن هذا الخلق الذميم (تأمُّل عيوب الآخرين):

تأمُّلُ العيبِ عَيْبُ             ما في الذي قلتُ رَيْبُ

والشِّعْرُ كالشَّعْرِ فيه            مع الشبيبة شيبُ

فليصفح الناسُ عنه            فطعنُهم فيه غَيْبُ

ويلامس عليّ بن الجهم الفكرة من زاوية أخرى، إذ إن تعداد معايب المرء هي شهادات له وليست عليه:

وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها

كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ

لكن للأسف جميعنا يعيش هذه الحالة بهذه الدرجة أو تلك من امتلاك القدرة والرغبة في تعقّب عيوب الآخر سواء كان هذا الآخر صديقاً أو عدواً، مُحباً أو كارهاً، وربما كان مردّ ذلك في علم النفس هو تبرير عيوبنا نحن التي ربما تكون أكبر ممّا نعيب به الآخرين سراً أو جهراً.

وهكذا نغمض أعيننا عنها ونفتحها على اتساعها لعيوب الآخرين، وهو ما أشار إليه السيد المسيح: (ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟) العهد الجديد ـ متى 7:3

وأسوأ ما في ذلك هو ذكر العيوب الخلقية أو الجسدية للآخر ممّا لا يد له فيها كلونه أو طوله أو حجمه أو صفاته البيولوجية الأخرى، كما يمكن إدراج الجنس أو الانتماء القومي أو الديني أو العائلي ضمن هذا الإطار من الأشياء التي لا يد لنا في اختيارها، ممّا يُعدُّ ذكره تنمّراً أو عنصرية، فيعتمد على تعميمات وتصنيفات متخلفة قاصرة تضع فئة أو مجموعة بعينها في السلة ذاتها معمّمة عليها الأوصاف والنعوت.

لكن، هل يعني هذا أن نتستّر على أخطاء الآخرين، ونغضَّ الطرف عنها مُعتبرين ذكرها عيباً لنا أو تدخلاً فيما لا يعنينا، ونتذكر عيوبنا فحسب كلما أردنا كشف عيب فردي أو اجتماعي أو سياسي، فنتبع المثل القائل: (من كان بيته من زجاج لا يرمي أحجاره على بيوت الآخرين) في غير موضعه؟!

لا طبعاً، فتوقفنا عن كشف العيوب والنواقص موقف سلبي يكرّس الأخطاء، ويعطي مرتكبيها حصانة، ويزيدهم إمعاناً في ارتكابها فتأخذهم العزّة في الإثم، ونصنع بذلك طغاة جدداً كل يوم.

وفي الوقت ذاته علينا أن نحاول التحلي بصفة قبول الإشارة إلى عيوبنا وأخطائنا وسماعها باهتمام لعلَّ ذلك يساعدنا على أن نكون أفضل ممّا نحن عليه.

وهذا الخليفة عمر بن الخطاب يقول قولاً وجيزاً عميقاً في هذا السياق:(رحم الله من أهدى إليّ عيوبي!).

وفي لغة العصر أصبح تعقّب العيوب أو الإشارة إليها يُسمّى نقداً، وتُسمّى محاولة الوقوف أمام المرآة ورؤية عيوب الذات (نقداً ذاتياً)، ينطبق الأمر على الأفراد والمجتمعات والأحزاب والحكومات، حيث تتردّد عبارة (النقد والنقد الذاتي) مراراً في الأدبيات السياسية منذ أدرجتها الحركة الشيوعية في أدبياتها، وأخذت منها بقية القوى لما للعبارة من سحر وجاذبية.

وهنا أيضاً يحضر كثيراً النفاق والتزلّف والتملّق والانتهازية والخوف، حيث يصبح كل ما يقوم به صاحب القرار مُنزّها عن الخطأ لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه، ويجب أن ينجح في كل مسارات عمله بكامل الأصوات ولو كان بالتصويت السري؟! فتربيتنا وثقافتنا تقوم على التقديس، والبحث عن آلهة نعبدها ونُنزهها من الأخطاء، البحث عن البطل المخلّص، وابتداعه ممّا هو متوفر بيننا أن لم نجده.

حينها يصبح كل من ينطق حرفاً عن احتمال خطأ في هذا القرار أو ذاك لـ”القائد الضرورة” كفراً بواحاً وخيانة وخروجاً عن الصراط المستقيم، وخدمة لمخططات الأعداء إن لم يكن عمالة لهم.

إذاً لننظر إلى أخطائنا وعيوبنا بالجرأة نفسها التي نشير بها الى أخطاء الآخرين وعيوبهم مهما علوا في المراتب والنفوذ والطغيان أيضاً، ولنتذكر إنّ (أعلى مراتب الشهادة كلمة حق أمام سلطان جائر).

العدد 1105 - 01/5/2024