الميراث حق أقرّه الشرع للنساء تسلبه منهن الأعراف والتقاليد

ياسمين تيسير أبو ترابي:

تؤكد جميع الأديان والشرائع أن الميراث حق للنساء كما هو حق للرجال لا يجوز حرمانها منه بأي حال من الأحوال. لكن ما نشهده من ممارسات يجري تبريرها بتقاليد المجتمع وتؤدي لحرمان للمرأة من ميراث زوجها أو أبيها هو بالتأكيد ليس من الديانات في شيء، بل هو من الأعراف البالية التي لا تسود إلاّ في المجتمعات الجاهلة والمتخلفة، والتي ظلَّ الناس فيها لا يورثون المرأة لأنها عندهم (المكسورة الجناح) التي لا تحيا إلاّ في كنف الرجل سواء كان والدها أو زوجها، هذا إضافة إلى المفاهيم السائدة بأن توريث الأصهار سيؤدي إلى خروج الأرض من ملكية العائلة مع تعاقب الأجيال، وهكذا يتم تحت هذا الشعار سلب النساء حقوقهن في ميراث الأب، وإذا ما حصل أن تمرّدت امرأة على هذا العرف الظالم، فإن رجال العائلة يواجهونها بعداء سافر قد يتصاعد إلى درجة تتعرّض فيها هذه المرأة للعنف والأذى لأنها أصبحت بنظرهم خارجة عن الأعراف والتقاليد. وتأكيداً لهذا الكلام سوف نذكر قصة من وحي الواقع تؤكّد هذا الظلم بحق المرأة.

سيدة تبلغ من العمر أربعين عاماً تصف لنا معاناتها بقولها:

(جرت العادة في عائلتنا أن البنات لا يرثن، وإنما يُمنحن بعض المال مقابل أن يتنازلن لإخوتهن عن حصصهن في الميراث. وتضيف السيدة، كنت حريصة على إرضاء والدي الذي عرض عليّ أنا وأخواتي مبلغاً من المال مقابل التنازل لإخوتنا عن نصيبنا، علماً بأن المال كان من والدي وليس من إخوتي، وقد قلت لوالدي إن هذا لا يجوز، وإن ذلك يعرضه للعذاب، ولكن إخوتي قالوا لأبي إنهم لن يعملوا بالأرض إلاّ إذا سُجّلت بأسمائهم، وهكذا وجدنا أنفسنا مُضطرات للقبول بمبالغ زهيدة مقابل تنازلنا عن كامل حقوقنا في أراضي والدنا).

لقد أكّدت هذه السيدة أن والدها كان يمتلك عمارة من عدّة شقق، وكان يقوم بتأجير عدد منها في حين كان إخوتها يسكنون في الشقق الباقية، واستمر هذا الوضع حتى وفاة الوالد، وبعد انتهاء العزاء تبيّن لها هي وأخواتها أن العمارة تمَّ تسجيلها بالكامل بأسماء إخوتها الذكور، ممّا شكّل صدمة كبيرة لها ولشقيقاتها.

وقالت أيضاً: إن والديّ تنازلا عن كل ما يملكان لإخوتي الشباب قبل عشر سنين، وحرمونا أنا وأختي من أي شيء بحجّة إنهما لا يريدان أن تذهب الأرض لأزواجنا الغرباء.

وأنهت السيدة شكواها بقولها: (للأسف.. التقاليد أقوى من القانون!).

لا شكّ أن التكافل والتراحم والتعاون بين أفراد المجتمع أساس تقدم المجتمعات واستقرارها، وأن ما يحدث بين الأفراد من خلافات ونزاعات حول الميراث يعود إلى عدم التزامهم بشرع الله – عز وجل – وعدم معرفة الفرد ما له من حقوق وما عليه من واجبات، أو يقوم بتجاهل هذه الحقوق والواجبات لأسباب تتمحور حول الجشع والأنانية وحب الذات، مُستغلاً أن المرأة في المجتمع ليس لديها الجرأة للمطالبة بحقّها من الميراث وذلك احتراماً منها للعادات والتقاليد الاجتماعية حتى لو كانت هذه العادات والموروثات الاجتماعية تحرم المرأة من حقها الطبيعي والشرعي.

أما عن النظرة الاجتماعية للمرأة التي تذهب إلى القضاء وتشتكي طلباً لحقها في الميراث، فيُنظر إليها على أنها متمردة، وتكون مُعرّضة للاتهام المسبق والهمس والعيب والخروج عن التقاليد.

وهذا الأمر يستدعي ضرورة التوعية الدينية والاجتماعية والقانونية بحق المرأة في الميراث، واتباع التنشئة الاجتماعية السليمة في الأسرة، وعدم التمييز بين الأبناء الذكور والإناث في المعاملة، وغرس الوعي الديني في نفوس الآباء والأمهات والتذكير بأهمية إعطاء المرأة حقوقها كاملة في الميراث، لأن حرمانها من تلك الحقوق هو من الكبائر ولا يجوز الاعتداء عليها.

قال تعالى: (للرّجَال نَصيبّ ممَّا تَرَكَ الْوَالدَان وَالأَقْرَبُونَ وَللنّسَاء نَصيبّ ممَّا تَرَكَ الْوَالدَانً وَالأَقْرَبُونَ ممَّا قَلَّ منْهُ أَوْ كَثُرَ نَصيبًا مَفْرُوضاً) وهذه الآية تقطع جزماً بأن للمرأة نصيباً في الميراث، وإن كان قليلاً لا يجوز حرمانها منه، ولا شك أن كل من يحرم المرأة من نصيبها يكون قد تعدّى حدود الله، والله تبارك وتعالى يقول: (ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه).

العدد 1105 - 01/5/2024