رمضانيات

وعد حسون نصر:

قبل أيام من رمضان كانت التحضيرات فيما مضى أشبه بتحضيرات فرح، عادات جميلة كانت ترافقنا في هذا الشهر، بتنا نفتقدها عاماً بعد عام، وباتت شبه غائبة تماماً عنّا، أولها غياب لمّة العائلة واجتماعها على المائدة، فقد غدا كل واحد في بلد لا يجمعهم سوى شاشة الجوال إذا ناسب الوقت، لا وقت للتكبير ولا حتى للتراويح وتبادل حبّات التمر!!

وغابت عن المائدة أطايب رمضان من تمر وعصير توت مُخبّأ لهذا الشهر، ومن الوجبات البيضاء أساس هذا الشهر في أيامه العشرة الأولى تحت المُسمّى الشعبي (بيّضناها برمضان)،  حتى حلوياته من النهش والقطايف العصافيري والحلاوة بالجبن وغيرها، غابت مع غياب القدرة الشرائية والسيولة المادية لشرائها، لم تعد تُطرق الأبواب لنرسل كرمنا وحبّنا مع أطباق السكبة الرمضانية، ولم تعد تفوح من نوافذنا رائحة الأطايب، حتى الطرقات افتقدت زينتها وباتت تحنُّ للألوان الزاهية، للفوضى، للأصوات، للركض لنلحق موعد الآذان ونرشف أول رشفة ماء مع الأهل وبعدها نتبادل عبارات المحبة مع الابتهالات وحبّات التمر.

حي الميدان افتقد بهرجته، والليل غاب عنه المسحّراتي، افتقد صوت طربه مع بزوغ الفجر وضاعت الطبلة من يده وبتنا نصحو للسحور على صوت الجوال، وبعدها نعلن الإمساك على الصوت نفسه. ثياب الأطفال حزينة ألوانها لم تعد تغريهم كسابق العهد، فهي ذاتها من عام لعام أو ربما تكون قد صغرت على ابن الجيران أو أحد الأقارب وأرسلها لهم، فلم تعد حلمهم، بَهتَتْ كما بهتَ الحلم عندهم بشيء جديد، حتى طاولة العيد لم نعد نراها، فقد غابت مع غياب رائحة المعمول وعجقة الأهل في التحضير، حزينة لفقدان ضحكاتهم ونوادرهم وبعض الطرائف الجميلة التي يطلقونها على بعضهم سخريةً بغاية الضحك. أشياء كثيرة فقدناها ليس فقط في رمضان إنما على مدار أشهر العام، لكن يبقى لرمضان طابع مختلف، فهو من يجمع العائلة، من يوطِّد المحبة، من يجعلنا نتسامح ونعود للألفة، أما الآن فقد غابت اللمّة وغابت الألفة، واقع من الألم، أحاط بنا غلاء وانعدام مقومات الحياة من كهرباء ووقود وماء منذ  التهجير خلال الأزمة، إضافة إلى ما حصل بعد الزلزال الذي غيّب عنا بهجة التحضير والانتظار لرمضان، فغابت معه حكاياتنا والفوازير، وحتى بقعة الضوء اختفت واختفى لدينا الأمل برمضانيات نأملها، ومع ذلك تبقى في أفواهنا عبارة رمضان كريم، فمازال الخير يقطن بعض النفوس وهي من تجعل من هذا الشهر شهر الخير، أعاده الله على الجميع بالحب والسلام والأمان قبل كل شيء.

العدد 1105 - 01/5/2024