تحاربين كالذئاب بكل أنوثة

ريم داوود:

استغرق العمر مني طويلاً وأنا أحاول فهم طبيعة المرأة، كيف لها أن تكون حنونة على الرغم من قسوة العالم؟!

كيف باستطاعتها أن تسامح رغم تكرار الخطأ؟!

كيف يمكنها التوفيق بين عمل ومهنة ورعاية وزواج؟!

نعم إنها المرأة، ومن يملك قوتها؟!

هي روح الأنوثة، هي مصدر الحياة، هي الأمن والأمان.

ولأنها الروح والحياة والأمان خصّت بأثمن المهن وأصعبها على الإطلاق مهنة التربية.

منذ بداية الخليقة منح الله الأنثى نعمة الإنجاب لتكون فيما بعد الأم الحنون، والمربية الفاضلة التي تمنح الطفل منذ نعومة أظفاره الحب الخالص والوفاء الكامل والثقة المطلقة.

لكن هل استطاعت المرأة العربية أن تكون على قدر المسؤولية في دفاعها عن حقها، وفي بناء دورها الذي يتطلب منها أن تكون حقيقة الجمال، وحقيقة العمل وحقيقة البناء؟ فدورها في التنمية والبناء أساسي.

*اليوم العالمي للمرأة:

يقام هذا اليوم كاحتفال عالمي للدلالة على الاحترام العام والتقدير وحب المرأة لإنجازاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ذلك أنه في بعض الدول اعتُمد يوم عطلة رسمي، وفي كل عام منذ أن تم اعتماده كاحتفال رسمي يتم الاتفاق على شعار واحد ومُحدّد يحمل تحت رايته أهدافاً أساسية للعمل على تحقيقها.

ومن ضمن هذه الشعارات الكثيرة نذكر على سبيل المثال: عالم خالٍ من العنف ضدَّ المرأة، المساواة في الحقوق وتكافؤ الفرص، تمكين المرأة الريفية والقضاء على الفقر والجوع، تحقيق المساواة للمرأة هو تقدم للجميع، تمكين المرأة تمكين الإنسانية: تخيّل ذلك! المساواة بين الجنسين اليوم من أجل غدٍ مستدام، وغيرها من الشعارات التي تكون عنوان كل عام جديد. لكن السؤال الأهم، هل استطاعت هذه الشعارات وقف العنف الممارس تجاه المرأة؟

هل تمكّنت المرأة عالمياً ومحلياً من الحصول على حقوقها كافةً دون الحاجة للخضوع لقوانين وابتزازات الرجل؟

على الرغم ممّا قدمته السيدة السورية منذ عشر سنوات وأكثر من تضحيات وتنازلات، وعلى الرغم ممّا واجهته من عوائق اجتماعية واقتصادية محتملة فيها كل الضغوطات، لاتزال النظرة العامة للمرأة دون المستوى المطلوب، ففي أحد مقاطع الفيديو المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي صُدِمْتُ بحديث يقدمه أحد الأئمة مجاهراً بأن ما يحدث اليوم هو ثقافة غربية مستوردة، وأن علينا كعرب محاربة كل ما هو مستورد، فالمرأة خلقت لمنزل الزوجية وعملها هو الزوج والأطفال، وهذا أعظم الأعمال التي خصّها بها الله.

جلستُ أفكّر بما تفضل به الشيخ الفضيل لأجد أنه تطرّق لجدل مهم، وقد أصاب بجانب وأغفل جانباً آخر، نعم لقد خُصَّتْ المرأة بمهمة عظيمة، لكن هل يقوم منزل الزوجية بمهامه على أكتافها منفردة؟ وهل يختصر دور الرجل بجني المال فقط؟

نعم، لقد خُصَّتْ المرأة بمهام عظيمة، لكن كثيراً من الفتيات لا يرغبن بأدائها، فكيف بنا نجبرهن على تلك المهام؟

ألا يحق للمرأة أن تثبت ذاتها ووجودها إلاّ من خلال الإنجاب ورعاية الأبناء وخدمة الزوج؟

ألا تستوجب الحياة مهامّ أعمق بكثير من زج المرأة في بوتقة الحياة الزوجية الإنجابية فقط؟

*المرأة والحياة السياسية والاقتصادية:

ما زال موضوع مشاركة المرأة في صنع القرار محطَّ جدل يستحوذ اهتمام الناشطين في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويؤكّد الناشطون أن هناك صعوبات وعقبات على المرأة تخطيها إذا ما أرادت خوض غمار العمل العام، منها ما يتصل بالمرأة نفسها وبوضعها الاقتصادي، وعوامل متصلة بالمؤسسة السياسية، وأخرى متصلة بالمجتمع والثقافة السائدة فيه. ذلك أنه لابدَّ للمرأة أن تدرك هويتها النسوية ودورها في المواطنة والسياسية والاقتصاد وكل مفاصل الحياة، الأمر الذي يتطلب منها أن تنخرط في خضم الحياة المدنية الاجتماعية.

خلاصة القول: علينا أن ننشئ أجيالاً جديدة من المواطنين تُقدّر مبدأ عدم التمييز والكفاءة والمساواة بين الجنسين، وذلك من خلال التأكيد على أهمية دور المرأة في عملية صنع السلام وعمليات المصالحة وحلِّ النزاعات. كذلك لابد من العمل على تحضير جيل من النساء مثقف واعٍ مشارك بامتياز بالحياة الاجتماعية الاقتصادية وفاعل بإيجابية، وكذلك مساندة المرأة ودعمها في العمليات الانتخابية دون توجيه أصابع اللوم واللامبالاة لحضورها ومشاركتها على اعتبار أننا منذ أكثر من عقدين أو ثلاثة نحظى بمشاركة ذكورية واضحة دون تقدم ملموس.

في الختام، لا يمكن تحقيق التنمية الشاملة وبناء مجتمع حديث إذا لم يكن للمرأة دور في صياغة القرارات المتعلقة بحياتها الخاصة والعامة، وإذا لم تأخذ حصّتها من الأعمال المهنية والإدارية والاقتصادية، أو حتى تشارك في مؤسسات السلطة على مختلف المستويات، وإلاّ سنبقى قابعين في جحرنا متمسكين بعوائقنا دون أي تطور.

العدد 1105 - 01/5/2024