في عيد المرأة..  ما زال الطريق أمام النساء طويلاً

حسين خليفة:

كُنّا نسمّيه عيد المرأة العالمي مثل جميع الأحزاب الشيوعية العالمية سيراً على تقليد أرسته الحركة الشيوعية العالمية، وكان مناسبة لتهدي رفيقاتك وصديقاتك وأخواتك وما تيسر من نساء العائلة والمحيط، وردةً، مع نسخة من بيان رابطة النساء السوريات الذي يكاد يتكرّر كل عام، وفي الوقت نفسه ظلت مطالب النساء على الرفِّ لدى أصحاب القرار.

كان عيداً لاحترام النساء وتقديرهن، عيداً للحب لأولاء اللاتي يهبن الحياة ويهبن للحياة بهاءها وألقها.

وكان يكفي أن تمارس أيّ مظهر من مظاهر الاحتفال بهذا العيد، لكي تُتّهم فوراً بالشيوعية ويستلّ كتبة التقارير أقلامهم لصيدٍ جديد.

في آب عام 1910 وضمن مؤتمر النساء الاشتراكيات في كوبنهاغن عاصمة الدنمرك كانت الانطلاقة الأولى لتحديد يوم عالمي للمرأة، وباقتراح من المناضلة الألمانية كلارا زيتكين، لكن من دون تحديد تاريخ للمناسبة.

لكن بعض الباحثين يرجحون أن اليوم العالمي للمرأة جاء بمناسبة ذكرى إضرابات نسائية شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية مطالبة بتحديد ساعات العمل للنساء وحقهن في المساواة والمشاركة في الحياة السياسية انتخاباً وترشيحاً، علماً أن حق النساء في التصويت في ألمانيا وبريطانيا على سبيل المثال لم يتحقق إقراره إلّا عام 1918.

جرى تبنّي هذا اليوم، الثامن في آذار، في الاتحاد السوفييتي بعد قيامه كنتيجة لانتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية، وتلته دول المنظومة الاشتراكية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1945.

عام 1975 (العام الدولي للمرأة) تبنّت الأمم المتحدة هذا اليوم لكن دون أبعاد سياسية، فاقتصر الاحتفاء بهذا اليوم على إثارة قضايا تخصُّ النساء عموماً وتقدير دورهن الانساني والاجتماعي دون الاقتراب من دور المرأة في التغيير السياسي والاجتماعي والحركات الاحتجاجية التي كانت تدعو إليها المنظمات النسائية اليسارية وما زالت، فتمحور العمل في هذا اليوم بالنسبة إلى الأمم المتحدة، وكثير من المنظمات النسائية، على الحقوق الاجتماعية للمرأة، مثل الدعوة إلى المساواة في الأجور وتكافؤ الفرص الاقتصادية والحقوق القانونية المتساوية ورعاية الأطفال المدعومة ومنع العنف ضدَّ المرأة وغيرها.

بعد عامين من ذلك أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثامن من آذار عطلة رسمية للأمم المتحدة من أجل حقوق المرأة والسلام العالمي. واعتُمد هذا اليوم رمزاً للكفاح النسوي من أجل تعزيز حقوق النساء بمواجهة التمييز وانعدام المساواة.

كان للنساء السوريات نصيبهن الوافر بالمشاركة في الدعوة إلى تحقيق مطالب النساء على المستويين المحلي والدولي، وعرف تاريخ سورية نساء رائدات في هذا المجال.

لكن في ظلِّ تعاقب الأنظمة العسكرية وغياب الديمقراطية في معظم مراحل التاريخ السوري بعد الاستقلال (باستثناء الفترة البرلمانية 1954 ـ 1958) تعرّضت المنظمات النسائية للقمع حيناً والتهميش أحياناً أخرى خاصّة في فترات القمع الوحشي للحركة السياسية عموماً، واليسارية تحديداً مع نظام حكم الوحدة وما بعده. وجرى تجاهل مطالبها والمماطلة فيها وما زال هذا الأمر مستمراً، مثل منح جنسية المرأة لأولادها، أو تعديل قوانين الأحوال الشخصية بما يحقق العدالة للمرأة، وغيرها.

في ظل الحرب المستمرة التي عاشتها البلاد والخراب والدمار الذي عمَّ البلاد، تعرّضت النساء وتحمّلن أعباء الحرب أكثر من غيرهن من قطاعات المجتمع، وأصبحن أكثر ضحايا الحرب تأثراً بمآسيها وكوارثها.

والآن، والبلاد تعيش أعمق أزمة إنسانية واقتصادية واجتماعية وسياسية تكاد تُطيح بمجمل الوطن والشعب وتفتّته، تحمل النساء العبء الأكبر من هذا الوضع المأساوي دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل لإنهاء هذا الوضع الشّاذ عبر حل سياسي يضع البلاد على طريق التغيير الديمقراطي المنشود، وهو البيئة الملائمة لنشاط المنظمات النسائية وتحقيق مطالبها.

وحتى تتحقق أهداف الشعب السوري في الحرية والديمقراطية وبناء دولة القانون، ستبقى النساء كما كل السوريين تطحنهن رحى المجاعات والهجرات والأوبئة والكوارث الطبيعية أيضاً.

العدد 1105 - 01/5/2024