تاريخ صنعته النساء

تهامة الدعبل:

في الثامن من آذار من كل عام وبمشهدٍ مُبتذلٍ يحتفلُ العالم بالمرأة، وتنهال عليها التهاني والهدايا والشعارات الرنّانة من كل حدب وصوب، ومع حلول صباح اليوم التالي تُنسى هذه المراسم كلها وتعود الحياة إلى طبيعتها، لكنَّ هذه الطريقة التي تحوّل هذا اليوم إلى مهرجان للاحتفال لا تفيد المرأة ولا قضيتها في شيء، حتَّى إنَّها تُحيِّد الهدف الأساسي الذي حُدِّد لأجله هذا اليوم وهو التذكير بضرورة تكاتف النساء وانتفاضهنَّ في سبيل الحصول على حقوقهنَّ بأكملها.

ولكل بلد طريقته الخاصة لإحياء ذكرى هذا اليوم بأشكال مختلفة عن الآخر، ففي بعض البلدان يكون هذا اليوم عطلة رسمية، وفي بلاد أُخرى تُمنَح النساء عطلة نصف يوم مدفوعة كالصين والجزائر، وفي بلاد أخرى يمرُّ هذا اليوم مرور الكرام مثل أي يوم عادي آخر.

تعود جذور هذا اليوم إلى عام 1907 حين طالبت الناشطة النسوية كلارا زيتكن بتحديد يوم عالمي يدفع النساء حول العالم إلى الإضراب والمطالبة بحقوقهن، وبقيت هذه المطالب قائمة حتى عام 1911 حين أُضرمَت نار المظاهرات الجماهيرية في أوروبا وكانت نتيجتها الاعتراف بحقوق كثيرة للنساء لم تكن موجودة كتقليل ساعات العمل ومنح المرأة الحق في إجازة الأمومة. وفي عام 1912 أطلقت روز شنايدرمان شعار: (نريد خبزاً ووروداً) لتوضح حاجتهن إلى ظروف عيش وعمل كريمة إلى جانب الأجور المناسبة.

وخلال الحرب العالمية الأولى في عام 1917 قادت ألكاسندرا كولونتاي أكبر مظاهرة نسوية في روسيا في الثامن من شهر آذار، وقد توسعت هذه التظاهرات لتشمل العمال والعاملات والطلاب والطبقة العاملة كلها، وبعد ذلك جرى الاعتراف بتاريخ 8 آذار يوماً للمرأة في الاتحاد السوفييتي حيث حصلت المرأة على حقها في الانتخاب والإجهاض، إلاّ أن كثيراً من الدول لم تعترف بهذا اليوم بسبب علاقته بالتاريخ الاشتراكي والشيوعي وأُخمِد الحديث بهذه القضايا حتى عام 1975 مع مجيء الموجة النسوية الثانية واعتُرِفَ بهذا اليوم يوماً عالمياً للمرأة.

لقد مرّ في مختلف مراحل التاريخ قديماً وحديثاً نساء كان لهنَّ أثر كبير في تغيير مجرى التاريخ، نذكر منهن:

إليزابيث بلاكويل:

وهي أول امرأة تحصل على شهادة الطب في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أسّست مع أختها مستشفى نيويورك للنساء والأطفال، وعملت على تحسين الأحوال الصحية في الأحياء الفقيرة، كما شجعت النساء على دراسة الطب، وكان لها مساهمات مهمة خلال الحرب الأهلية الأمريكية، وتكريماً لجهودها طُبعَت صورتها على ميدالية ما تزال حتى يومنا هذا تُقدَّم لأكثر النساء إسهاماً في مجال قضية المرأة في المجال الطبي، حيث مُنحَت أول مرة عام 1949 لطبيبة تُدعى ماري ريغز نوبل.

ماري كوري:

وهي عالمة في الفيزياء والكيمياء عُرِفَت بأبحاثها حول اضمحلال الإشعاع النووي، وكانت المرأة الأولى والوحيدة التي تحصل على جائزة نوبل مرتين في مجالين مختلفين، ولها اكتشافات عديدة غيّرت مجرى العالم.

أنديرا غاندي:

هي المرأة الوحيدة التي عُيِّنَت رئيسة وزراء الهند ما بين عامي 1966-1977م؛ أي ثلاث فترات متتالية، وكانت الفترة الرابعة ما بين 1980-1984م، وقد أصبحت الهند بفضلها بلداً قوياً. اغتيلت عام 1984م.

أميليا إيرهارت:

كاتبة ورائدة في الطيران الأمريكي وأول سيدة تطير بمفردها عبر المحيط الأطلسي، حصلت إثر ذلك على صليب الطيران الفخري، وهي الأولى التي تحصل عليه كذلك، وحقّقت أربعة أرقام قياسية أخرى.

اختفت أميليا في ظروف غامضة فوق المحيط الهادئ خلال محاولتها للطيران حول العالم في يوليو 1937، وما تزال ظروف اختفائها لغزاً لم تُكشَف أسراره حتى يومنا هذا.

لقد مرَّ في هذا التاريخ نساءٌ عظيمات كان لأعمالهنَّ أداور مهمة في خدمة البشرية وتغيير مجرى التاريخ، ومهما ذكرنا من السيدات فإن القائمة تطول وتطول مثل فالنتينا تيريشكوفا، ومارجريت بورك وايت، والملكة فيكتوريا، وأوبرا وينفري، وعهود الرومي، وبينظير بوتو، وغيرهن. لذا دعونا في هذا اليوم لا ننسى الهدف الرئيس من تحديده، فالمرأة ليست بحاجة إلى هدايا أو مجوهرات، بل هي بحاجة إلى اعتراف حقيقي بحقوقها كاملة والاعتراف بقدرتها على صناعة المجد، وتحويل هذا اليوم إلى مهرجان احتفالي لا يخدم المرأة حقاً بقدر ما يخدم محلات المجوهرات والألبسة!

العدد 1105 - 01/5/2024