ما زلت الصخرة القاسية.. فأنا الأساس!

وعد حسون نصر:

أنا المرأة التي شُيّدت على اسمها أمم وحضارات، أنا أساس منزلي ونواة أسرتي..

أنا المربّية التي من خلالها تظهر مكارم الأخلاق..

أنا سيدة الخير والحب والمطر عند القدماء..

أنا زنوبيا، أنا الخنساء، أنا ملهمة الشعر والشعراء..

ولأنني أمٌّ قبل كل الصفات فأنا من وهبتُ الحياة، ومع ذلك تنسون كل هذا وتنعتونني أنني قاصر وأحتاج محْرماً لأواجه الحياة، ووضعتم عليّ القيود والقوانين، ومع ذلك نهضت من تحت ركام الجهل ووقفت شامخةً فوق كل هذا الغبار المتراكم، أبعثره بيدي لأثبت أنني قادرة على خوض أصعب المعارك بمفردي، فكم من امرأة توفي زوجها وكانت هي ربان المنزل ومقود الأمان، هي الأم بالحنان والحب وطهي أشهى أصناف الطعام وألذ الحلويات، وهي الأب بالكفاح والعمل خارج المنزل، والقساوة والصرامة، ليبقى المركب ثابتاً يسير على خط الأمان.

وكم من أنثى سرقت الحرب منها أسرتها وبقيت وحدها وسط حزمة من ألم، فكانت هي الأب لذاتها وهي الأم وهي الأخ والأخت لنفسها، واستطاعت أن تواجه محنتها وتنهض وتعمل وتشغل أفضل المناصب بالدولة.

وكم من خنساء سرقت الحرب منها ثمرها، ومع ذلك بقيت كشجرة شامخة بوجه الرياح متشبّثة بتراب الأرض، توزع حلاوة الضحكة في وجه من يحتاجها ولم تستسلم لقساوة القدر. والكثير الكثير من السيدات واجهن مجتمعاً بكامله وكنّ أول من خرج للنور وتعلّم وشغل أفضل الأماكن في البلاد بالعلم والعطاء.

عانت المرأة على مرِّ العصور كثيراً وواجهت العديد من المحن والصعوبات، وأتت مؤخّراً أزمتنا في بلدي الحبيب لتنال منها المرأة الحصّة الأكبر، فالكثيرات هُدمت منازلهن وشُرِّدت أسرهن وفقدن أبنائهن، فمنهم من واراه الثرى، ومنهم من هاجر وغاب عن ناظرها ولم تعد تراه إلاّ عبر شاشات الجوال.. الكثيرات منهن كنّ المعيل الوحيد لأسرهن سواء عند الزوج أو عند الأهل، ومع هذا بقين صامدات لتستمر الحياة.

على الرغم من كل الانفتاح وكل الدعم للنساء، مازال في الريف الكثيرات يعملن على أنهن أقلُّ شأناً من الرجال، ويحتجن محْرماً في الدخول والخروج وحتى في اختيار شريك الحياة، وكذلك في المدن، فظاهرة تحجيم المرأة وإن كانت محدودة لكنها موجودة عند البعض، وتعاني النساء الكثير من الصعوبات أمام الأهل وأمام الزوج، ما دامت المرأة في قانون الأحوال الشخصية تحتاج إلى امرأة ثانية معها لتعادلا ذكراً واحداً أمام القضاء. فنحن لم نُنصف، ما دامت حصّتنا في الميراث النصف أمام الذكر فنحن مازلنا قاصرات، وما دام يُكتب في عقد الزواج: زوّجتك نفسي، بينما يوقّع العقد وكيل العروس لا هي، نحن مازلنا غير مسؤولات عن قراراتنا، بما أننا بحاجة محرم في بعض الأماكن فنحن لسنا أحراراً، لذلك قصتنا مع المساواة طويلة، ولتنتهي، علينا أن نغيّر بعض القوانين، وقبل ذلك أن نغيّر مفهوم البعض عن النساء.

العدد 1105 - 01/5/2024