لا تسألني عن الألم إن لم تذق طعمه!

ريم داوود:

سنوات عانى فيها السوريون مرتشفين العلقم، لم يعِ هذا الشعب فيها أن ما سيمرُّ به أمرُّ من الحنظل ذاته.

لقد أثبتت السنوات الماضية التي مرمرت بواطننا أن ما حصل على الساحة السورية تعدّى الميدان السوري مؤثّراً بصداه السلبي على العالم بأسره، شئنا أم أبينا بات الواقع السوري حديث الملايين.

في وطني لا قيمة للإنسان لا أدري لماذا، لكن كل ما أعلمه أننا جُبلنا من تراب وسنعود للتراب دون جاه أو مال، دون حسب أو نسب، دون وساطة أو مكانة اجتماعية، دون أية محسوبيات وفروقات طبقية تميّز إنساناً عن إنسان، سوف نعود تراباً نتلاقى من خلال الأرواح.

في تغريدة سابقة كنتُ قد نشرتها على حسابي الخاص تساءلت ما الذي فعله الشعب السوري ليدفع هذه الكفّارة؟

ماذا اقترفنا من ذنب حتى نُكلّفُ بكل هذا البلاء؟

هل اختُصر الشرُّ في وطني؟ أم أن الأشرار نبتوا في أرضه؟

كنتُ أتساءل ماذا علينا أن نفعل لننهض من هذا الركام؟ لكن روحي أجابتني سابقة حدسي مؤكّدة أننا لم نقترف ما يلزم هذا العقاب، لكن هناك من اقترفَ ونحن من نُعاقب!

سنوات من الدم والقتل والتناحر غير المفهوم ولا تزال نفوس البشر غير طيبة، عقد كامل تطور فيه الزمان وانتقل من حال إلى حال ولا نزال نتصارع فيما بيننا متنافسين متسابقين في التهام بعضنا البعض.

أما آن الأوان لأن نفهم الحياة بشكل مختلف؟

  • زلزال هزّ النفوس قبل البيوت:

برد وعواصف ثلجية، شحٌّ بالوقود وعناصر التدفئة، انقطاعٌ شبه تام للتيار الكهربائي وليس أمامنا إلاّ الخلود للفراش لعلّنا فيه نجد الدفء والراحة من قسوة أيامنا وذلِّ أوقاتنا التي أصبحت وزراً يُثقل كاهلنا، لكن للأسف لم يُقدّم ذلك الفراش الراحة المبتغاة، بل كان راحة أبدية للآلاف من السوريين.

إنها الرابعة وسبع عشرة دقيقة فجراً، أصوات الهلع تملأ المكان، ومشاهد الذعر لا تفارق أجسادنا، فقد اعتدنا اللااستقرار من خوف إلى خوف، ومن خضّة إلى خضّة، فهل سيكون الآتي أفضل أم أعظم؟ لا جواب لدينا حقيقة.

اهتزازٌ غريب من نوعه أصاب الأرض، إنها هزة أرضية هذا ما شعرت به دمشق وبعض المدن السورية، لكنها للأسف لم تكن مجرّد هزة عادية في باقي المدن، بل كانت زلزالاً مدمّراً طال الشمال السوري حاصداً معه أرواح المئات، هادماً آلاف المنازل.

كم أنت قاسٍ يا غضب الطبيعة! ألم تعلم أن هؤلاء ذاقوا العذاب مراراً وتكراراً؟!

ألم يخبروك أنهم أُنهكوا من الموت والوداع؟

أما علمت أن الحزن لم يفارقهم منذ عشر سنوات؟ وأن الدموع باتت صديق فراشهم. ما علمت أن طاقاتهم نفذت وقوّتهم هُدِرَتْ؟

حسبنا الله ونعم الوكيل!

  • السوريون منبوذون أم أن السياسات لا تعرف الإنسانية؟

مع بزوغ النهار كان المشهد مبكياً، فحلكة الليل لم تسمح لنا بمعرفة التفاصيل ورؤية حقيقة ما جرى، إلاّ أن المراقبة عن كثب كانت أصعب بأشواطٍ عمّا وصِفَ.

دعم عربي وآخر أجنبي طبطب بعض أوجاعنا لكن الجرح لم ولن يلتئم.

خذلان مُجدّد وقعنا ضحيته، وألم زاد الأنين وجعاً، صمت تعجز حروف اللغة عن وصفه، وهل أصعب من الصمت والخذلان؟

فضلاً عن الجشع والضعف في نفوس البعض من الذين لم يكفهم ما سرقوه!

نحن اليوم أمام كارثة إنسانية، وطنية، اجتماعية طالت جميع السوريين، نكبة مسّت كل منزل سوري، فهل نستطيع النهوض بعد هذا الحطام؟

هل سنتمكّن من جمع أشلائنا؟

يبقى الأمل حاضراً، فلولاه لما قاوم السوريون عشر سنوات من المرارة والوجع.

العدد 1105 - 01/5/2024