دولة برسم البيع!

أحمد ديركي:

عندما تُذكر مصر يستعيد التاريخ أمجاده ويتغنى بها، باعتبارها دولة صاحبة دور فعال ومؤثر في الأمة العربية، وتحديداً في الدول العربية العربية الحديثة. فهناك أم كلثوم، وعبد الحليم، والشيخ إمام، وطه حسين، والعقاد، والمنفلوطي… وغيرهم كثيرون، وعلى المستوى السياسي أيضاً ومقاومة الكيان الصهيوني.

مصر، الدولة صاحبة النفوذ والتأثير في الأمة العربية ودولها، تحولت إلى دولة هامشية، وعقدت بعد كل ما أنجزته، اتفاقية صلح مع الكيان الصهيوني، تحت مسمى التطبيع. فباعت كل إنجازاتها (العروبية) على كل المستويات الثقافية والمقاومة من أجل (حفنة من الدولارات). (حفنة) لم تنقذها إلا لفترة قصير وقادتها إلى طريق الإفلاس.

استمرت بالانهيار حتى اليوم، وكانت تغطي انهيارها الاقتصادي بكلمات سلطوية فارغة المضمون إلا من المضمون القمعي. وظن كثيرون أن تطبيعها مع الكيان الصهيوني كان منقذاً لاقتصادها، وكأن التطبيع مع الكيان الصهيوني منقذ اقتصاد الدول العربية، لا احتكار أنظمة هذه الدولة لاقتصاد بالمفهوم الريعي الرأسمالي.

بعد التطبيع تحولت مصر من دولة منتجة إلى دولة مستهلكة تعتمد على الاقتصاد غير المنتج، وتحولت إلى (الاقتصاد الخدماتي) وبدأت تخسر موقعها تدريجياً. وها هي ذي اليوم دولة برسم (البيع).

وصل العجز النقدي في مصر السنة الماضية إلى حدود 6.2% من الناتج المحلي الاجمالي (GDP، وارتفعت نسبة الدين من ناتجها المحلي الاجمالي إلى حدود 90%، أي إلى أكثر من ضعف ما كان عليه في عام 2013. وتم تقييم الجنيه المصري على أنه واحد من أسوأ عملات العالم نسبة إلى انهيار قيمته الشرائية وسعر صرفه أمام الدولار. وبلغت نسبة التضخم في عام 2023 إلى حدود 21% مع ارتفاع مهول بأسعار السلع الغذائية.

في عام 2022 ما يقرب من ثلث المصريين عاش بدخل دولارين اثنين يومياً، ومن المتوقع أن تلتحق بهم نسبة كبيرة خلال هذا العام.

وهنا بدأت (الأبحاث) حول ما الذي حدث للاقتصاد المصري ولماذا انهار؟ طبعاً ما من بحث يذكر ما للتطبيع مع الكيان الصهيوني من مردود سلبي على الاقتصاد المصري، وكيف عمل النظام السياسي المصري على تحويل مصر من بلد ذي اقتصاد إنتاجي إلى بلد ذي نظام اقتصادي خدماتي خدمة للعدو الصهيوني، إضافة إلى ما للنظام العسكري في مصر من دور باحتكار القطاعات المصرية المنتجة. فالمؤسسة العسكرية المصرية تحتكر أكبر القطاعات الإنتاجية في مصر، وما كان لهذا أن يكون سوى لخدمة النظام السياسي القائم وحمايته من الانهيار. فالعسكر، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، أي من هو في منصب رئيس الجمهورية، يمنح المؤسسة العسكرية كل التسهيلات لتحتكر ما تشاء من الاقتصاد المصري، وبهذه الطريقة يحمي موقعه السياسي من أي انتفاضة شعبية.

إلا أن هذه السياسية الاحتكارية الحمائية المتبادلة ما بين النظام السياسي والمؤسسة العسكرية يبدو أنها قد وصلت إلى شفير الهاوية. الحل بالنسبة لهاتين المؤسستين (السياسية، المتمثلة بقمة الهرم السياسي، والعسكرية)، سهل جداً: فلنعرض مصر للبيع! ويبقى كل في مركزه السلطوي ويحقق المزيد من الأرباح، وإن رفض الشعب بما نقوم به نقمعه بحجج واهية متعددة، ومن أبرزها صفة (الإرهاب) و(المخربين) وما إلى ذلك!

الحديث حالياً في الأروقة الاقتصادية الكبرى أن هناك مفاوضات حول شراء قناة السويس! نعم، شراء قناء السويس، أي خصخصتها. من المشتري؟ غير مهمّ، فالنظام السياسي المصري، مع المؤسسة العسكرية، يتشاورون ويتباحثون مع بعض المشترين لقناة السويس. ومن ضمن من يتفاوضون معه بعض الشركات العربية الكبرى المستعدة لشراء القناة! فهل سوف تبيع مصر قناة السويس؟ أمر ممكن حدوثه في ظل ما هو قائم! وإن مرت صفقة خصخصة قناة السويس فسوف تمر صفقات حيوية أكثر، فهكذا بنى سياسية عسكرية همّها تحصيل الأرباح والبقاء في السلطة، لا يهمها حتى لو باعت مصر برمتها وبقيت مجرد مومياء فرعونية جالسة على عرش موميائي لتقمع شعبها من أجل أن تحقق الشركات الكبرى المزيد من الأرباح وهم يحققون فتات أرباح هذه الشركات.

 

العدد 1104 - 24/4/2024