القمة الأمريكية_ الإفريقية.. (حيلة) لن تنطوي على الأفارقة!

د. صياح عزام:

في أواخر العام الماضي 2022، دعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى عقد قمة أمريكية_ إفريقية، بعد مضيّ ثماني سنوات على عقد قمة مماثلة عام 2014، دعي إليها رؤساء وقادة إفريقيون. ومما يجدر ذكره أن إفريقيا سارت في الركب الشرقي منذ انتهاء عهد الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما، ثم جاءت القمم الصينية_ العربية التي تجسدت بثلاث قمم، وهي القمة السعودية_ الصينية، والقمة الخليجية_ الصينية، والقمة العربية_ الصينية، ولا شك بأن هذه القمم الثلاث ستؤثر على قوة الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، المنطقة الأسخن في العالم.

في هذه القمة عرضت أوراق أمريكية (ترغيبية) بطبيعة الحال تشير إلى تقديم 55 مليار دولار خلال سبع سنوات كمساعدات واستثمارات، والتأكيد على ما سمي تمكين القارة من التحول الرقمي، ومواجهة الأوبئة، ومعالجة أزمات الأمن الغذائي والأمن المناخي، والتأكيد على ما تسميه واشنطن دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إلا أن عدة خبراء ومحللين سياسيين أفارقة نظروا إلى هذه القمة على أنها (خدعة) أو (حيلة) لا تنطلي على الأفارقة، وأن الهدف منها أيضاً (أي من القمة) محاولة الالتفاف على الدور الصيني المتنامي في القارة الإفريقية، لاسيما أن هناك ارتياحاً إفريقياً لهذه الدور، لأنه يركز على الاهتمام بالبنية التحتية في القارة، ولا يشترط على الدول الإفريقية أية شروط.

وكانت الإدارة الأمريكية قد أعلنت في شهر تشرين الأول من العام الماضي 2022 عن استراتيجية أمريكية جديدة لها في إفريقيا، لتكون أساساً ومنطلقاً للعلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا. وقد أوضحت هذه الاستراتيجية مدى حاجة أمريكا للقارة الإفريقية المتخمة بالموارد الطبيعية، إذ إن 30% من هذه الثروات معدنية وثمينة من طاقة وذهب وألماس ويورانيوم ونحاس وغيرها، مع العلم أيضاً أن 70% من أراضي القارة الإفريقية لم تخضع لمسح جيولوجي، الأمر الذي يؤكد أن ثرواتها مرشحة للزيادة.

إلى جانب ذلك، فإن 70% من الملفّات التي تناقش في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، هي إفريقية، إضافة إلى أهمية خطر الإرهاب الذي تفشى في العديد من بلدانها وضرورة التصدي له.

وفي سياق هذه الاستراتيجية الأمريكية بشأن إفريقيا، كما أشرنا إلى ذلك قبل قليل، قام وزير الخارجية الأمريكية (بلينكن) بجولة إفريقية شملت عدة دول من القارة للتقارب معها، إلا أنه تبين أن أهداف الجولة كانت محاولة أمريكية للتحريض على روسيا والحشد ضدها، ولكن هذه المحاولة ووجهت بالرفض والتأكيد على عدم السماح بتحول القارة إلى ساحة جديدة للحرب الباردة. وبطبيعة الحال فوجئ بلينكن بهذه المواقف الإفريقية الرافضة للمطالب الأمريكية غير المنطقية، والقائمة على رغبة واشنطن في وضع إفريقيا تحت جناح هيمنتها، وهناك شعور إفريقي شعبي ورسمي بهذا الأمر، طبعاً مع رفض كامل له. وعلى سبيل المثال، طالب رئيس السنغال والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي الولايات المتحدة بعدم استمرار إلقاء المحاضرات والأوامر على الأفارقة، ومثل هذا التصريح من قبل رئيس دولة إفريقية مهمة ورئيس الاتحاد الإفريقي أيضاً، يشير بوضوح إلى أن الأفارقة يرفضون أية محاولات للهيمنة الأمريكية على دولهم وعلى ثرواتهم، وأنهم جديرون بانتهاج سياسات تحقّق مصالحهم، ويعرفون في الوقت نفسه الطريق للوصول إلى ذلك.

باختصار، الأرجح أن تبقى مقررات القمة الإفريقية_ الأمريكية على ضحالتها حبراً على ورق، لأن الغاية الأمريكية من عقدها هي التشويش على العلاقات الصينية_ الإفريقية وتحجيمها، إلى جانب محاولات إحكام طوق العزلة على روسية.

 

العدد 1105 - 01/5/2024