دعم المشروعات الصغيرة وتمويلها

الدكتور عامر خربوطلي:

يحدث النمو الاقتصادي من خلال تراكم الاستثمارات الفردية الخاصة، إضافة إلى الحكومية العامة، وتركز معادلة النمو الجديدة على عناصر الاستغلال الأمثل والريعية والتقانة والريادة كعناصر جديدة رديفة لوجود رأس المال، والمشروع المتعثر أو منخفض القيم المضافة لا يؤدي لإحداث النمو المطلوب، وبالتالي لا يؤدي لزيادة الناتج المحلي وتوزيع عوائده على السكان عبر زيادة الدخل الفردي ومستويات المعيشة.

قطاع المشروعات متناهية الصغر يشكل حوالي 60% من قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل حوالي 97% من إجمالي القطاع الخاص السوري، الذي يساهم بنحو ثلثَي الناتج المحلي السوري، وهذا يعني أن قطاع المشروعات متناهية الصغر في حالة نجاح دعمه وتمويله سيساهم بحوالي 35% من الناتج المحلي السوري، وهي نسبة مهمة جداً في حال أمكن ضمان استمرارية ونجاح هذه المشروعات سواءٌ منها الزراعية أو الصناعية أو الحرفية أو التجارية والخدمية.

المشكلة في هذا النوع من المشروعات هي غياب التأثير النوعي للدعم وصعوبات التأسيس وممارسة الأعمال وضعف التمويل وتواضع الخدمات المطلوبة لمثل هذه المشروعات المتوزعة على مساحة الجغرافيا السورية مثل (النصح- المشورة- التدريب- …) رغم أنها الأجدر بمثل هذه الخدمات من المشروعات الكبيرة.

أدى صدور القانون رقم 8 الذي سمح بإنشاء مصارف التمويل الأصغر اختراقاً كبيراً على صعيد منظومة دعم وتمويل هذه المشروعات، ولكنه غير كافٍ إذا لم يكن هناك نظرة شمولية لآليات الدعم والتشجيع لتناول جميع مراحل تأسيس مثل هذه المشروعات وممارستها ابتداءً من (الفكرة- الترخيص- التسجيل – حماية الملكية- الضريبة- تسجيل العمال).

المشروعات الصغيرة كانت موجودة قبل الحرب، وأصبحت بعد الأزمة أكثر أهمية وضرورة، وبخاصة لتوليد دخل جديد للأسر والأفراد ضعيفي الدخل، وهذه المشروعات لا تتعارض مع وجود مشروعات صغيرة ومتوسطة وكبيرة تتناول مشاريع استراتيجية وإنتاجية لإعادة الإعمار والتجديد، والتكامل يفترض أن يزداد بينهما عبر العناقيد الصناعية والتجارية والخدمية.

القاعدة تقول إنه ليس هناك حاجة لتوزيع الأدوار، بل يجب إعطاء المهمة لمن يستطيع أداءها بأكبر قدر من الفاعلية والإنتاجية، ولكل حجم من المشروعات دوره وأهميته على مستوى القطاع أو المنطقة الجغرافية أو الانتشار السكاني والتخطيط الإقليمي أساس مهم في ذلك.

إن توسع القطاع الخاص غير المنظم خلال الأزمة كان نتيجة لظروف الحرب والنزوح أولاً، ولكنه أيضاً كان نتيجة صعوبات الترخيص والتسجيل القانوني لمثل هذه المشروعات والشروط التي توضع لترخيص كل مهنة أو حرفة أو نشاط.

تعاني المشروعات متناهية الصغر والصغيرة من تحدّيات كبيرة تحدّ كثيراً من انطلاقتها وتعظيم القيم المضافة الناتجة عنها، وهذا ما نلمسه في مشاركتها التنموية غير الكبيرة حتى الآن.

هناك مجموعة من مفاتيح النجاح لهذه المشروعات على المستوى المحلي لابد من التركيز عليها قبل البدء برسم اللوحة الشمولية لهذا القطاع وتحليل ارتباطاته مع بقية القطاعات والجهات:

  1. إعداد استراتيجية لهذا القطاع لتحديد الرؤية المستقبلية ووضع الأهداف متوسطة وطويلة المدى وبدائل السياسات ومن ثم البرامج والمشاريع الداعمة.
  2. تفعيل دور الإدارات المحلية في المدن والبلدات والمحافظات السورية لتكون مركزاً لإجراءات التراخيص والسجلات لجميع المشروعات تسهيلاً للوقت والجهد والتكلفة.
  3. الاستفادة من الانتشار الجغرافي لغرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة في 14 محافظة سورية لتكون مرجعاً استشارياً وتدريبياً ومعلوماتياً لهذه المشروعات في أماكن توضّعها (يوجد دراسة مستقلة عن هذا الموضوع).
  4. التركيز في عمليات التمويل على ضمانة الفكرة وتحليل التدفقات النقدية الداخلة للمشروع.
  5. اعتماد معاملة ضريبية داعمة لهذه المشروعات.
  6. التركيز على عمل هيئة دعم المشروعات الصغيرة على التخطيط وإعداد الاستراتيجيات وتفويض الجهات الأهلية بتقديم الخدمات المباشرة بإشرافها.
  7. تنويع صيغ التمويل لتشمل التمويل الأصغر الإسلامي عبر إصدار قانون خاص به، وتشجيع الغرف والاتحادات والجمعيات على المشاركة في تأسيس هذه المصارف.
  8. اعتماد تعريف نوعي ديناميكي للمشروعات وفق المناطق والقطاعات والاحتياجات المحلية وعدم الاقتصار على الأيدي العاملة ورقم الأعمال.
  9. لا يمكن إلغاء اقتصاد الظل والمشروعات القائمة فيه دون توسعة المناطق المنظمة ضمن مخططات المدن والبلدات، إضافة إلى تسهيل تأسيس وممارسة الأعمال كلفةً ووقتاً وجهداً.
  10. تخفيض تكاليف وأعباء القروض الصغيرة بالنسبة لأصحاب المشروعات عبر إعادة حسم الفوائد من قبل البنك المركزي وتحمّله للفروقات ما بين تكلفة الفوائد المصرفية ومعدلات الإقراض الفعلية.
  11. الاستفادة من الانتشار الجغرافي للمصارف الحكومية المختصة بالتمويل الصغير (التسليف الشعبي- توفير البريد) لتكون حواضن لمؤسسات تمويل وفق القانون 8 وفق صيغ تعاقدية وإعادة دراسة أساليب التمويل المعتمدة والضمانات المطلوبة ودراسة الأثر الاقتصادي والاجتماعي لهذه القروض.
  12. إعادة هندسة العمليات لجميع الإجراءات التنظيمية الحكومية المتعلقة بإنشاء وممارسة الأعمال الصغيرة وإلغاء ما يمكن إلغاؤه وتبسيط الإجراءات، ومن ثم العمل على أتمتتها وإتاحتها لأصحاب المشروعات بصورة إلكترونية.
  13. دراسة الأثر الاقتصادي والاجتماعي للمشاريع المنفذة على المستوى القطاعي والجغرافي.
  14. وضع قائمة تأشيرية للمشروعات حسب المناطق والقطاعات وفق قواعد التنافسية وتوفر المقومات الأساسية لنجاح المشروع.

 

 

العدد 1104 - 24/4/2024