الموت الرحيم

أحمد ديركي:

ما زال الموت مسألة يتجنب العديد من البشر مقاربتها لما تحمله من محرمات ومآسٍ وغموض. فالموت قضية تتعلق بالدرجة الأولى بالمشاعر الإنسانية مسبّبة حزن الأحياء على الفقيد أو الفقيدة لانقطاع علاقتهم معه طوال مرحلة بقائهم على قيد الحياة.

مسألة قاربها العديد من المفكرين، وكان لكل منهم رأيه، المعتمد على خلفيته الفكرية والفلسفية. فعلى سبيل المثال يقول أبيقيورس حول الموت إنه انعدام الأحاسيس. أي عندما تتوقف أحاسيس الإنسان يصبح ميتاً، وينتهي الأمر. بينما في الأديان السماوية هناك ثنائية الجسد والروح. لأن الله هو من يهب الإنسان الروح فلا يحق للإنسان أن ينهي حياته حينما يشاء، ولله وحده الحق في إنهاء حياته. فالموت في الفكر الديني يعني عودة الروح إلى واهبها، أي الله.

حالياً وفقاً للعلم الحديث يعتبر الإنسان ميتاً عندما يتوقف عمل الدماغ لفترة زمنية محددة. إن مضت هذه الفترة الزمنية ولم يستعد الدماغ نشاطه يُعتبر الإنسان ميتاً، وتعلن وفاته.

يدفن، يحرق.. بغض النظر عن طريقة التخلص من جثة الميت، فقد أصبح هذا الإنسان جثة قابلة للتحلل يجب أن تُبعد من بين الأحياء.

بعد تقدم العلوم، وتقدم الحريات، وتقدم الأنظمة السياسية.. أصبح يحق للإنسان إنهاء حياته عندما يشاء بشروط محددة. حالة أُطلق عليها: (الموت الرحيم) إن توافرت هذه الشروط. فعلى سبيل المثال، في بعض الدول الأوربية إن كان الإنسان مصاباً بمرض لا علاج له، وفقاً للعلوم الحديثة، يحقّ له طلب إنهاء حياته بطريقة رحيمة، فكان تعبير (الموت الرحيم).

لا نناقش هذه المسألة من وجهة نظر الأديان، بل نقاربها من ناحية أخرى.

حق الإنسان في إنهاء حياته، إن انطبقت عليه الشروط الموضوعة من قبل النظام السياسي، أصبح إلى حد ما مسألة مقبولة يقر بها القانون.

قانون أعطى المواطن حق إنهاء حياته، رغم كل الخدمات الطبية المتوفرة له. فما حال (مواطن) عالمنا؟

المواطن في بلادنا عليه أن يعمل لمدة 24 يومياً فقط ليجني ثمن طعامه فقط. وإذا أراد السكن عليه أن يعمل 48 ساعة في الـ24 ساعة! وإذا أراد التنقل من العمل إلى المنزل عليه أن يعمل 72 ساعة في الـ24 ساعة! يا لها من عملية حسابية معقدة! كيف يوجد 48 ساعة في الـ24 ساعة؟! الإجابة بسيطة. عندما تستطيع أن تجيب كيف يمكن للعامل أن يعيش بدخل بأقل من ثمن طعامه؟ حينئذ نجيب كيف يوجد 48 ساعة في الـ 24 ساعة؟

من جهة أخرى على العامل أن يكون على قيد الحياة ليستطيع العيش ليعمل مجاناً، وإذا مرض فليكن (الموت الرحيم) من نصيبه. في انعدام توفر الخدمات الصحية عندما يمرض العامل يحق له أن يطلب من النظام السياسي أن يشرع له (الموت الرحيم)، كي لا يعيش حتى وفاته في آلام لا تحتمل، ولا في جوع يقتله، ولا في مكان لا سقف فيه، ولا…

لكن للأسف أنظمتنا السياسية ما زالت أعلم بمصلحة شعوبها، فلا تستمع إلى مطالبهم المحقّة! ومن يعلم؟ فقد تشرع (الموت الرحيم) قبل أن تجد تشريعات تحمي فيها الطبقة العاملة! أو لعلها شرعته بطريقة غير مباشرة لترضي القطاعات الخاصة؟!

العدد 1104 - 24/4/2024