كوريا الشمالية دولة نووية.. خيار لا رجوع عنه

د. نهلة الخطيب:

تصعيد من جانب زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون وتطوير ترسانته النووية والكيماوية وأسلحة بالستية وصواريخ برؤوس نووية عابرة للقارات متوسطة وبعيدة المدى تقطع في أقصى إطلاقها مسافة تصل إلى 10 آلاف كيلومتر، متزامنة مع تدريبات عسكرية ومناورات بحرية استفزازية مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية واليابان شاركت فيها حاملة طائرات أمريكية تعمل بالطاقة النووية مما يزيد الوضع توتراً ويقوض السلام والاستقرار في العالم.

إيمان كيم جونغ أون أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أصل الشر وهدفه باسترجاع كامل شبه الجزيرة الكورية بعد تقسيمها إلى كوريتين جنوبية تدعمها أمريكا، وشمالية تدعمها الصين والاتحاد السوفييتي، يجعله بحالة حرب رسمية ضد كوريا الجنوبية ومن يدعمها، ورفع مستوى المواجهة وخاصة بعد انسحاب بيونغ يانغ من جانب واحد من هدنة عام 1953 التي أنهت الحرب الكورية الأعنف بالتاريخ عام 1950.

كوريا الشمالية التي بدأ فيها النظام السياسي الشيوعي عام 1948 ومازال قائماً إلى الآن والمستند على مذهب الماركسية اللينينية والتوجه للاتحاد السوفييتي والصين ورغم الأحداث التي اجتاحت المنظومة الشيوعية وغيّرتها على نحو جذري فهل تبقى كوريا الشمالية آخر قلاع الشيوعية؟ فنظام الحكم في كوريا الشمالية الدولة الأكثر غموضاً وخصوصية بالعالم هي لحزب العمال الكوري، فهي دولة الحزب الواحد رغم وجود أحزاب أخرى، ولكنها موالية وليست معارضة، بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي ورغم التغييرات الجذرية التي حدثت إلا أن النظام السياسي في كوريا الشمالية بقي صامداً وأصبح أكثر صلابة في مواجهة التهديدات الأمريكية، وبعد وفاة كيم إيل سونغ عام 1994 وتعيين كيم جونغ إيل سكرتيراً عاماً لحزب العمال الحاكم في تشرين الأول عام 1997 وأصبح كيم تشن عير الابن رئيساً للجنة الدفاع الوطني في أيلول عام 1998، أُعلن عن امتلاك القنبلة النووية في عام 2006 واستمرت بيونغ يانغ في تطوير التكنولوجيا وترسانتها النووية بمساعدة السوفييت، وفي عام 2011 توفي كيم تشن عير وخلفه ابنه الصغير كيم جونغ أون وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره الذي لم يُثنى عن متابعة تطوير وتحقيق حلم بلاده بامتلاك أعظم أسلحة نووية وردعية بالعالم. وبالفعل أصبحت بيونغ يانغ تمتلك صواريخ طويلة المدى قادرة على ضرب الولايات المتحدة الأمريكية في العمق الاستراتيجي وإحباط دفاعاتها الصاروخية في حال تعرضها لهجوم أمريكي.

في الاجتماع السنوي لحزب العمال الحاكم لعام 2023 تم وضع استراتيجية لسياسة كوريا الشمالية، تترسخ بتمسكهم بالملف النووي وإعلانها دولة نووية كخيار لا رجوع فيه، وأنه لا جدوى من المفاوضات بشأن نزع السلاح النووي الكوري. وتعهد كيم جونغ اون بتعزيز قدراته العسكرية مما أثار ردود فعل سلبية وحفيظة اليابان وكوريا الجنوبية والولايات الأمريكية التي تبنت سياسة متناقضة ومتغيرة اتجاه كوريا الشمالية، بين سياسة الصبر الاستراتيجي بفرض عقوبات اقتصادية، وسياسة الضغط الأقصى بتشديد العقوبات والحصار الخانق، مما جعل الشعب كله بحالة فقر على السواء ورغم ذلك هي لا تعيش بطالة أو فجوات اقتصادية واجتماعية ولم تنجح عقوباتهم المفروضة في تثبيط حلم بيونغ يانغ في رفع قدرتها الردعية الدفاعية، وتخبط السياسة الأمريكية اتجاه كوريا الشمالية بين كر وفر في رفع العقوبات مقابل تجميد الاختبارات النووية والتخلي عنها، وضربات عسكرية تعود إلى الإدارات الأمريكية المتعاقبة. فمنذ ادارة بيل كلينتون الذي فكر بعمل عسكري ضد بيونغ يانغ لصد خطرها وجورج بوش الذي اعتبرها من دول محور الشر، وترامب الذي أطلق على كيم جون أون رجل الصاروخ، وتحذيره بشن ضربة الأنف الدامي على المواقع النووية الكورية يظهر كيم جونغ أون ليؤكد أنه لن يتخلى عن أسلحته النووية وأنها ليست للمساومة أبداً، وطبيعي كانت تجارب الآخرين عبرة له عندما تخلى الرئيس العراقي صدام حسين والرئيس الليبي معمر القذافي عن برامج بلادهما النووية، ومع ذلك لم يسلموا من الغدر الأمريكي وتمت الإطاحة بهم وقتلهم.

التوترات الجيوسياسية في أوجها بين القوى العظمى، والعالم يشهد ولادة نظام عالمي جديد لا قطبية أحادية والزر النووي بيد كيم جون أون، بمعنى أنه بكامل جهوزيته لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، مما يضع إدارة جو بايدن أمام تحدٍّ خطير في مواجهة الطموح النووي لكيم جونغ أون في المستقبل القريب والاعتراف بكوريا الشمالية كدولة نووية أمر لا مفر منه وإلا سيكون الوضع كارثياً، وكما يقول غسان كنفاني: لا أرتد حتى أزرع في الأرض جنتي.. أو أقتلع من السماء جنتها.. أو أموت أو نموت معاً.. هذه عقيدة الزعيم الكوري كيم جون أون ما لبث أن رسخها من أجل الدفاع عن كرامة بلاده واستقلالها وحريتها.

العدد 1104 - 24/4/2024