تصعيد خطير في ألمانيا ضد العمل الفلسطيني!

شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين تُدين التقرير الأخير الصادر عن مؤتمر وزراء الداخلية الألماني، الذي يهدف لتجريم وقمع الفلسطينيين والتضامن مع فلسطين. ندعو جميع المتضامنين مع فلسطين وكل المدافعين عن أبسط حقوق الإنسان الديمقراطية للتحرك للوقوف في وجه محاولات تنفيذ هذه الخطط التي تستهدف واحداً من أكبر التجمعات الفلسطينية في أوربا.

عُقد المؤتمر بين ٣٠/١١/٢٠٢٢ و٢/١٢/٢٠٢٢ بحضور وزراء داخلية كل ولايات ألمانيا الـ ١٦. تم توكيل مجموعتي عمل من قبل المؤتمر خصيصاً لتناول موضوع (الحاجة إلى اتخاذ إجراءات بسبب تزايد النشاطات المعادية للسامية وإسرائيل في سياق الصراع في الشرق الأوسط). مجموعتا العمل هما: (الأمن الداخلي) ومكتب حماية الدستور الألماني (وكالة المخابرات الألمانية الداخلية). بكلماتٍ أخرى، تسعى الدولة للتحرّك ضد الفلسطينيين ونشاطات التضامن مع القضية الفلسطينية كهدفٍ للقمع والتجريم. إضافة إلى مجموعتي العمل، شارك مسؤولو الشرطة الجنائية الفيدرالية و(مفوضو معاداة الساميّة) بصياغة التقرير الذي يهدف لوضع لائحة من التوصيات ومسارات العمل لوزارات الداخلية في الفدراليات الألمانية. جرى تمثيل ١٠ من أصل ١٦ ولاية ألمانية في مجموعة العمل.

من المهم الإشارة إلى أنّ العديد من (مفوضي معاداة الساميّة) يقضون وقتهم بالترويج للاحتلال الصهيوني ولجرائم الحرب ولمهاجمة التنظيم الفلسطيني في ألمانيا بدلاً من تسليط انتباههم على مواجهة النازيّة والفاشيّة التي تتزايد في ألمانيا وأوربا ككل. مثلاً السياسي الألماني أوفي بيكير، مفوّض معاداة السامية في فرانكفورت، يطالب دائماً بإلغاء النشاطات الفلسطينية ولا يتردّد عن التقاط الصور مع مسؤولين عسكريين في جيش الاحتلال والترويج لقصف غزة.

بعد أن منع وزير داخلية برلين كل نشاطات إحياء ذكرى النكبة في شهر أيار (مايو) ٢٠٢٢، بما فيها مظاهرات ومسيرات نظّمتها شبكة صامدون في ألمانيا ومجموعة فلسطين بتحكي، يدعو التقرير الصادر عن المؤتمر بالأخص لاستهداف هاتين المجموعتين، إضافة إلى استهداف حملات المقاطعة وفرض العقوبات ضد الاحتلال بشكل عام. وكان هذا المنع لذكرى النكبة هو الذي أدّى إلى خلق تحالفٍ جديد للدفاع عن الحقوق الديموقراطية، بالتحديد حقوق أولئك الذين ينتمون إلى مجتمعات مستهدفة ومجموعات مضطهدة.

إضافة إلى ذلك، يقترح مؤتمر وزراء الداخليّة سلسلة من الإجراءات العقابية والدّعاية السياسيّة للترويج للصهيونيّة وقمع التنظيم الفلسطيني، ومنها:

إلزام معلمي المدارس بالترويج لصور إيجابية عن الاحتلال الصهيوني في الفصول الدراسية الألمانية وتنفيذ أجندات تربوية تصور الاحتلال بشكل أكثر إيجابية.

مواصلة تطبيق تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) لمعاداة السامية: هدف هذا التعريف الأساسي هو وصم وتجريم العمل من أجل فلسطيني بحجة معاداة السامية. وبذلك صنفوا التقارير التي وصفت الاحتلال بأنه نظام فصل عنصري بأنها (معادية للسامية).

تعزيز الملاحقات الجنائية ضد التصريحات المعادية للسامية كما يعرفها (IHRA).

حظر (وإخضاع لعقوبات جنائية) شعار (من النهر إلى البحر .. فلسطين حرة) واستعمال خريطة فلسطين كاملة، لأنهما يشككان في (حق إسرائيل في الوجود).

إيجاد (أسس قانونية جديدة) لـ (ملاحقة الجهود التي كان مسموحاً بها سابقاً) التي تتحدى نظام الاحتلال.

التحرك نحو حظر الجمعيات والنشاطات الداعمة لفلسطين تحت غطاء (محاربة معاداة السامية المتعلقة بإسرائيل).

تعزيز أنشطة ومبادرات التطبيع.

حدد التقرير ٣٥ مشروعاً مموّلاً من الدولة لـ (محاربة معاداة الساميّة المتعلّقة بإسرائيل)، من أصل ٦٤٩ من هذه المشاريع لمحاربة معاداة السامية بشكل عام، بناءً على تعريف الـ IHRA. ومنها أيضاً ١٣٨ مشروعاً تستهدفُ المدارس، الأطفال والشباب. من الجدير بالذكر أنّ مثل هذه المشاريع تستهدف الأطفال الفلسطينيين والعرب المقيمين في ألمانيا، إضافة إلى الجيل الجديد من الشباب الألمان الذين يتشاركون وجهة النظر نفسها مع الشباب في باقي العالم برفض الصهيونيّة والعنصريّة.

لنكن واضحين، لا شيء بخصوص هذا اللقاء واقتراحاته يتعلّق بمحاربة معاداة السامية. لو كان كذلك، لركّز على اليمين المتطرّف وعدده المتزايد الذي أدّى مؤخراً إلى سلسلة من الاعتقالات بسبب مؤامرة انقلاب النازيين الجدد على الحكومة الألمانية، لكن عوضاً عن ذلك، كان التركيز على المصالح الإمبرياليّة الألمانية والأمريكيّة وعلى المشروع الصهيوني في فلسطين، على حساب الفلسطينيين المقيمين في ألمانيا والفلسطينيين في فلسطين المحتلة. وبدلاً من تحمّل مسؤولية الفاشيّة الأوربية والنازية الجديدة وعناصر اليمين المتطرّف في المجتمع والتاريخ الألماني، يحاول هؤلاء السياسيون الألمان نقل المسؤولية إلى الفلسطينيين والعرب والألمان المدافعين عن القضية الفلسطينية.

صوتت ألمانيا بـ(لا) في الأمم المتحدة على قرارات ضد تمجيد النازية، في محاولة لتبرير هذا القرار بإلقاء اللوم على روسيا، على الرغم من حقيقة أن روسيا – والاتحاد السوفيتي بأكمله – تحملت واحدة من أسوأ الاعتداءات النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

هذه الأحداث ليست غير مترابطة. من خلال تغيير تعريف معاداة السامية تعريفاً يعكس بالضبط الإيديولوجية التي حفّزت النازية والفاشية إلى آخر يركّز بدلاً من ذلك على تشريع الاحتلال والمشروع الصهيوني (تعريف IHRA)، تتهرب الدولة الألمانية من تحمّل مسؤولية الجرائم النازية. هذا، في الواقع، يقلّل من هذه الفظائع وإرثها المستمر عبر الاحتفاء بالكيان الصهيوني وشيطنة الفلسطينيين المدافعين عن أرضهم والمقاومين للاحتلال.

كبر المجتمع الفلسطيني والعربي بشكل ملحوظ في ألمانيا خلال السّنوات الـ ١٠ الأخيرة، على الرغم من أن هذا التضخّم مبني على مجتمع كبيرٍ موجود مُسبقاً خاض موجاتٍ عديدة من القمع في جمهورية ألمانيا الاتحادية، من الترحيل واسع النطاق للطلاب الفلسطينيين في السبعينيات إلى القيود الصريحة المفروضة على الفلسطينيين من لبنان الذين يسعون للهجرة إلى ألمانيا أو طلب اللجوء. بطرقٍ عديدة، هذه التوصيات التي يقدمها التقرير، ولو كانت خطيرة، هي أيضاً اعتراف بالقوة المتزايدة والتحالفات الأقوى الّتي استطاع هذا الشعب تكوينها، كما يتجلّى عندما ينزل عشرات الآلاف بشكل متكرر إلى الشوارع للتظاهر من أجل تحرير فلسطين – من النهر إلى البحر.

من معارك قانونية كتلك التي خاضتها لجنة شتوتغارت الفلسطينية لضمان حقهم في المكان والحساب البنكي، إلى معركة خالد بركات التي شهدت تصنيف حظره السياسي كإجراء غير شرعي، إلى التنظيم الشعبي الذي يشارك فيه الرفاق الشباب والفلسطينيون من شبكة صامدون ألمانيا بشكل يومي في الشوارع، من مظاهراتٍ كبرى وجماهيرية إلى النشر ورفع صور القادة وفدائيي المقاومة الفلسطينية؛ وإلى الفلسطينيين، والمتضامنين مع فلسطين ومعادي الإمبريالية في ألمانيا لم ولن يتوقفوا عن النضال ولن يتم إجبارهم على الخضوع بسبب هذا التهديد الأخير.

تبنت الرابطة الدولية للمحامين الديمقراطيين قراراً في اجتماعها في ديسمبر 2022، مشيرة إلى أن (الرابطة الدولية تدين هذه الأعمال لقمع التعبير عن فلسطين كشكل من أشكال التواطؤ الألماني والأوروبي مع الاستعمار الصهيوني المستمر والفصل العنصري والاحتلال في فلسطين، بما في ذلك جرائم الحرب المستمرة وجرائم ضد الإنسانية).

إنّ النضال من أجل تحرير فلسطين هو نضال ضد الإمبرياليّة، الصهيونيّة والعملاء الرجعيين الذين يلعبون دور أدوات الاحتلال ضد شعبنا. داخل فلسطين المحتلة، نرى أن تعيين شخصيات فاشية علنية مثل بتسلئيل سموتريتش وايتامار بن غفير محاولة أخرى لإرهاب الشعب الفلسطيني الذي أظهر طوال 75 عاماً من النّكبة، وأكثر من 100 عام من الاستعمار أنه لن يتم ترهيبه أو هزيمته. وبالفعل فإنّ القوة المتصاعدة للمقاومة الفلسطينية وحركة التحرر – بما في ذلك التفاعل والمشاركة المتزايدة للفلسطينيين في المنفى والشتات من جميع أنحاء العالم – يطلق صفّارات الإنذار ويثير الخوف في مراكز الإمبريالية والصهيونية. هذه التهديدات من قبل السياسيين الألمان يجب أن تواجَهَ بالمزيد من التنظيم، بالمزيد من الحراك وبالمزيد من المقاومة، وبتوجيه رسالة واضحة من جميع من يدافع عن كرامة الإنسان والحقوق الديموقراطية ورفض للاستعمار: إننا سنقف معاً ضد التّجريم والقمع، وإننا معاً سنناضل ونكافح حتى تحرير فلسطين – من النهر إلى البحر.

العدد 1107 - 22/5/2024