أزمة طاقة وتوترات جيوسياسية وجنون الأسعار.. كيف سنتذكر عام 2022؟

في عام 2022، تباطأ نمو الاقتصاد العالمي بمقدار النصف تقريباً بحسب خبراء من صندوق النقد الدولي، كما واجه الاقتصاد العالمي سلسلة من الصدمات خلال الـ12 شهراً الماضية.

أدت العقوبات الغربية واسعة النطاق ضد موسكو إلى ارتفاع قياسي في أسعار الطاقة وتسارع التضخم العالمي، وفي محاولة للحد من ارتفاع الأسعار بدأت الدول المتقدمة في رفع أسعار الفائدة لأول مرة منذ فترة طويلة.

والآن لا يستبعد خبراء من الانتقال إلى أزمة جديدة واسعة النطاق بسبب الإجراءات التي اتخذتها الدول المتقدمة، وتحديداً رفع سعر الفائدة.

ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي زاد حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي في نهاية عام 2021 بنسبة 6% مرة واحدة، لكن المؤشر أضاف 3.2% فقط في الأشهر الـ12 الماضية، علاوة على ذلك فإن المؤشر من المتوقع أن يتباطأ إلى 2.7% في العام 2023.

وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، في 9 كانون الأول (ديسمبر) الجاري: (تشير أحدث المؤشرات إلى إمكانية حدوث مزيد من الانخفاض (في معدلات نمو الاقتصاد العالمي).. كما أننا نواجه حالة عالية جدا من عدم اليقين).

ووفقا لها (واجه الاقتصاد العالمي مؤخراً سلسلة من الصدمات، حيث أعقبت جائحة الفيروس التاجي عملية خاصة في أوكرانيا وتسارع التضخم في معظم البلدان، وهذا أدى زيادة تكلفة المعيشة وتشديد الأوضاع المالية العالمية).

ولدى رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس وجهة نظر مماثلة، إذ يرى أنه في ظل الظروف الحالية فإن الآفاق المستقبلية للاقتصاد الدولي لا تزال صعبة، وقال مالباس بهذا الصدد: (العالم يواجه خطر الانزلاق إلى الركود وهذا محفوف بسنوات من النمو البطيء والمراجعة الواسعة لأسعار الأصول).

 

عاصفة العقوبات!

أحد الأحداث الرئيسية للعام 2022 هو بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ويرى ألكسندر أبراموف الخبير في معهد البحوث الاقتصادية التطبيقية في RANEPA أن (العمليات القتالية والأحداث التي أعقبتها (عقوبات) كان لها تأثير كبير على اقتصاد كل من روسيا والعالم بأسره).

في الأشهر العشرة الماضية فرضت الدول الغربية أكثر من 10 آلاف إجراء تقييدي ضد روسيا، وتواجه روسيا الآن نحو 13.1 ألف إجراء تقييدي، أكثر من العقوبات التي تم فرضها على إيران وسورية وكوريا الشمالية وفنزويلا وميانمار وكوبا مجتمعة.

وطالت القيود على وجه الخصوص الصناعة المصرفية والقطاع المالي وقطاع الطاقة والطيران والتجارة في روسيا، كذلك جمدت الدول الغربية احتياطيات دولية روسية بقيمة 300 مليار دولار، كما أعلنت شركات غربية انسحابها من روسيا.

في البداية أثارت القيود واسعة النطاق المفروضة على موسكو حالة من الذعر في الأسواق المالية في روسيا، لذلك سارعت السلطات الروسية لتطبيق مجموعة من الإجراءات لدعم العملة الروسية، منها إلزام المصدرين الروس ببيع 80% من مبيعات التصدير، الأمر الذي ساهم في تحقيق توازن بين عرض العملات الأجنبية والطلب عليها في السوق الروسية وتخفيف الضغط على الروبل.

وفي مطلع تموز (يوليو) الماضي بلغ سعر صرف الدولار 51 روبلاً فقط، واليورو دون مستوى 54 روبلاً، بعد أن كان سعر الصرف في 12 آذار (مارس) الماضي عند أعلى المستويات عند 120.37 روبلاً للدولار و132.95 روبلاً لليورو.

 

الاقتصاد الروسي

تتوقع وزارة المالية الروسية أن ينخفض الاقتصاد الروسي في 2022 بنسبة 2.7%، وقال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف إن تراجع الناتج المحلي الإجمالي الروسي في عام 2022 سيكون 2.7%.

 

وصرح رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين، بأن الاقتصاد والنظام السياسي في روسيا تجاوزا عام 2022 بنجاح، على الرغم من العقوبات الواسعة المفروضة.

بعد فرض العقوبات الغربية توقعت السلطات المالية الروسية سيناريوهات قاسية، إذ توقع البنك المركزي الروسي في نيسان (أبريل) الماضي انخفاض الاقتصاد الروسي في 2022 بنسبة 8% – 10%، فيما توقعت وزارة التنمية الاقتصادية تراجعاً بنسبة 7.8%، لكن الانخفاض الفعلي بات أقل من هذه التوقعات لذلك بدأت السلطات في تحسين التوقعات.

 

حظر النفط الروسي!

في محاولة للضغط على موسكو بدأت الدول الغربية في رفض شراء النفط الروسي بشكل كبير. وكانت الولايات المتحدة أول من أعلن مثل هذا القرار، ثم انضمت كندا وأستراليا والمملكة المتحدة إلى المبادرة، وبعد ذلك فرض الاتحاد الأوربي حظراً جزئياً على الإمدادات.

وحذرت منظمة (أوبك) من خطورة مثل هذه المبادرات، إذ لا توجد اليوم طاقات فائضة في العالم لاستبدال النفط من روسيا. وأدت العقوبات الغربية ضد روسيا إلى تفاقم العجز في سوق النفط العالمية وفي ظل ذلك ارتفع سعر خام (برنت) في 2022 إلى مستويات قياسية هي الأعلى منذ عام 2008.

وعلى خلفية الارتفاع السريع في أسعار النفط تواجه العديد من البلدان زيادة سريعة في أسعار الوقود والتي أدت إلى زيادة قياسية في أسعار السلع والخدمات، فعلى سبيل المثال ارتفع التضخم في الولايات المتحدة في مرحلة ما من 2022 فوق 9% وذلك للمرة الأولى منذ 40 عاماً، فيما وصل المؤشر في الاتحاد الأوربي إلى 11.5% وأعلى مستوى في التاريخ.

 

مخاطر رفع أسعار الفائدة

 

في محاولة لكبح جماح التضخم، بدأت الدول المتقدمة في 2022 في تشديد سياستها النقدية، حيث رفع نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (FRS) في 2022 سعر الفائدة سبع مرات إلى 4.5% – 4.75% وهو أعلى مستوى في 15 عاماً، وقد رفع البنك المركزي الأوربي سعر الفائدة 4 مرات ووصلها إلى 2.5% للمرة الأولى منذ عام 2008.

ويعتبر تشديد السياسة النقدية أحد الأدوات الرئيسية في مكافحة ارتفاع الأسعار، ونتيجة لارتفاع المعدلات تصبح الأموال المقترضة أكثر تكلفة للمواطنين والشركات ما يؤدي إلى إضعاف النشاط الاقتصادي ويضغط على التضخم.

لكن مثل هذه الإجراءات تشكل تهديداً خطراً على الاقتصاد العالمي، كما يقول الخبراء في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).

وقالت المنظمة: (التغييرات في السياسات النقدية والمالية للاقتصادات المتقدمة يمكن أن تدفع العالم إلى ركود عالمي وركود طويل الأمد، مما يتسبب في أضرار جسيمة أكثر من الأزمة المالية لعام 2008 وكوفيد -19 في عام 2020).

 

خروج علامات تجارية غربية من روسيا

تميز عام 2022 بخروج عدد من العلامات التجارية من روسيا من مجموعة متنوعة من المجالات: من سلع الأطفال حديثي الولادة إلى معدات البناء، ومن العلامات التي غادرت روسيا (إيكيا) و(كوكا كولا) و(ماكدونالدز)، فيما قررت بعض الشركات مثل (رينو) نقل أعمالها في كيانات روسية مقابل مبالغ رمزية تاركين لأنفسهم فرصة إعادة شرائها في غضون سنوات قليلة.

وعلى الرغم من مغادرة الشركات فقد أظهرت استطلاعات رأي أن 6.7% فقط من المواطنين يعانون من الانسحاب.

تاس + نوفوستي

العدد 1104 - 24/4/2024