حول تدريس مادة التربية الدينية عندنا

يونس صالح:

قال المهاتما غاندي ذات مرة في عبارة شهيرة: (إني أعتبر نفسي هندوسياً ومسيحياً ومسلماً ويهودياً وبوذياً وكونفوشيوسياً)، ومع الإدراك التام أن غالبية البشر تقنع دون هذا المستوى من التسامح والانفتاح على الآخر والثراء الباطني، إلا أني أتصور أن التربية الدينية أتصور أن التربية الدينية في مجتمع متعدد الأديان لا يمكن أن تنهض نهضة صحيحة إلا على أساس مستوحى من عبارة غاندي السالفة. بمعنى أن التلميذ عندنا مسلماً كان ومسيحياً أو غيرها يجب أن يدرس ديانته في سياق ديانات أخرى، يجب أن يتعلم أن الدين ظاهرة حضارية واكبت حياة الإنسان على الأرض منذ فجرها الأول، آخذة على عاتقها تفسير ألغاز الوجود من ناحية، وتنظيم المجتمع البشري على أسس أخلاقية من ناحية أخرى، ويجب أن يتعلم أن الحضارات المختلفة جاءت بديانات مختلفة، وأن الديانات انتقلت من البساطة إلى التعقيد ومن محدودية التوجه إلى قبيلة أو أمة بعينها إلى الجمهور البشري الأوسع، مع تراكم الجهد الحضاري الإنساني وزيادة التواصل بين الأمم المختلفة.

إذًاً، على النظام التعليمي، الذي يتعهد هذا التلميذ بالتنشئة، أن يرسخ في وعيه الغض أنه ليس من النافع لأحد، بل ليس من اللائق بالإنسان وبواجبات الإخاء في البشرية، الاعتقاد بأن هؤلاء جميعاً كفار ضالون مارقون وأن دياناتهم أضاحيك.

إذا ما اعتمدت مناهج التربية الدينية مثل هذا المنظور، وتدرجت في تدريسه من حيث المحتوى والعمق والمدة حسب المرحلة الدراسية وما تتحمله سنّ التلميذ ومداركه، فإن ذلك سينتج على ما أتصور عقلية منفتحة متسامحة تجاه كل ما هو مخالف لذاتيتنا الخاصة.

إن الهدف الكامن، في نظري، وراء تدريس الأديان البشرية المختلفة والمذاهب المتعددة لبعض هذه الأديان تدريساً عقلانياً محايداً لا ينطلق من الإيمان الشخصي للمدرس أو التلميذ. الهدف الكامن وراء هذا هو تفتيت مبدأ الحقيقة المطلقة في وعي التلميذ، بحيث يدرك تدريجياً أن الحقيقة ملكٌ بشريّ مشاع وليست حكراً خاصاً عليه أو على طائفته أو ديانته أو عقيدته السياسية.

إن الحقيقة مطلبٌ بشريّ قديم ومستمر إلى آخر الزمان، وأن كل إنسان وكل أمة وكل عصر يساهم بجزء يسير في صنعها أو اكتشافها، وأن على الناس بمختلف دياناتهم أن يتضافروا بقدر الإمكان تجاه هذه الغاية الكبرى.

إن هذا التفتيت لمبدأ الحقيقة المطلقة هو في نظري عنصر لا غنى عنه من أجل إعداد ذهنية النشء، ليعيش بصورة تصالحية في مجتمع متعدد العقائد.

 

العدد 1104 - 24/4/2024