تفاؤل أم محاولة للحفاظ على البقاء؟

ريم داوود:

تشيع في زمننا الأزمات وتزداد فيه حالات فقدان الأمل والرجاء، مع ارتفاع حالات الاكتئاب الذي يصل في كثير من الأوقات لمرحلة الانتحار وحرق صفحات الحياة.

وتتخابط فيه أمواج الأزمات الاقتصادية والخسارات المالية مُعلنة إفلاس الكثيرين، فاسحة المجال للعديد من الاضطرابات النفسية والمشاكل الاجتماعية بالظهور، مُتصدّرة حياة العديدين، مُكبّلة إياهم بالتشاؤم والإحباط أو التفاؤل والتفاؤل المفرط أحياناً.

إن الاضطرابات والصراعات التي يقع الانسان في فخّها تدفع به في كثير من الأحيان إلى سلوكيات غير معتادة، فهي تجرّه إلى توقّع الخير دائماً على الرغم من عكس المعطيات، أو تدفعه إلى توقّع الشر والشؤم وسوء الطالع أيضاً رغم عكس المعطيات.

وممّا لا شكّ فيه أن لكل من التفاؤل والتشاؤم تأثيره الكبير في نواحي سلوكنا كافة.

ومن هنا يمكننا التطرّق للتعريف السيكولوجي لمفهوم التفاؤل:

ففي معجم ويستر نجد أنه (الميل إلى توقع أفضل النتائج)، ويضيف تايجر بأن التفاؤل دافع بيولوجي يحافظ على بقاء الانسان، فهو مجموعة من الأفعال والسلوكيات التي تجعل الأفراد يتغلّبون على الصعوبات والمحن التي تواجههم. (1)

لكن ماذا لو كان هذا التفاؤل غير صادق؟ أو بمعنى آخر أننا قابعون في فخِّ التفاؤل غير الواقعي نُهمل المعطيات ونتبع الأحلام؟

هل دفعت بنا الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للتمسّك بالأوهام بهدف البقاء؟

  • التفاؤل غير الواقعي:

يُعرّف تايلور هذا النوع بأنه (شعور الفرد بقدرة على التفاؤل تجاه الأحداث دون مبررات منطقية أو وقائع تؤدي إلى هذا الشعور). (2)

ويحدث هذا النوع من التفاؤل عندما يخفض الأفراد من تقديرهم لذواتهم وقدرتهم على مواجهة الأحداث السيئة، لكن ما الذي يدفع الإنسان إليه؟

هل هي الحال الاقتصادية؟ أم الأزمات والصراعات؟ أم أن ذلك يعود لأنماط التفكير التي يمتلكها البشر؟ فالتفكير في تعريفه العام نشاط عقلي يواجه به الإنسان مشكلة ما تصادفه محاولاً إيجاد الحلول الناجعة والنافعة لها، فالعقل البشري يعمل وفق أنماط تفكير مُتعدّدة منها الإيجابي، الإبداعي، الناقد، السلبي، الفعّال وهناك أمثلة كثيرة.

لكن ماذا لو عمل هذا التفاؤل المفرط أو حتى التشاؤم المفرط على قتل روح التفكير والإبداع والنقد لدى الإنسان؟

وهل نحن مهيؤون حقاً لتفعيل أنماط هذا التفكير بالشكل الأمثل؟ أم أننا مازلنا قابعين في مستنقع الأحلام نأمل الأمنيات ونرجو المعجزات؟

منذ ما يقارب ١٥ سنة طفت ظاهرة التنجيم والتخمين وغزت شاشات التلفاز العربي، تحت مسمّى توقعات العام القادم، وصرنا نجد الكبار قبل الصغار منصتين، متهافتين، نحو القنوات التي تعرض مبتغاهم، غير مدركين أن ما يتم عرضه عبارة عن دجل وخزعبلات يفشل كثيرها قبل أن يصدق.

وعلى الرغم من إدراك الكثيرين ويقينهم بأن ما يعرض على القنوات ليس إلاّ ملئاً للفراغ وضخّا ًللإعلام، إلاّ أنهم ينكبّون بكل طاقتهم على متابعة أخبار ذاك المنجّم وما يحمل في جعبته من توقعات.

هل بات السوريون يطلبون المستقبل بالتنجيم؟

هل أصبح واقع مجتمعنا مرتبطاً بما يتلوه المنجّمون؟ أم أننا من نصنع واقعنا بما نسعى له؟

أحلام، مطالب، ورغبات وغايات نأمل تحقيقها مع بداية العام الجديد علَّ الأمور والأحوال تتغيّر بشكل ملحوظ نحو الأفضل فتصل بالشعب السوري إلى تطورات ملموسة تطول جميع الأصعدة.

مراجع:

(1)الأنصاري، بدر(١٩٩٨). التفاؤل والتشاؤم المفهوم والقياس والمتعلقات. الكويت: مجلس النشر العلمي. ص14

(2) المصدر ذاته – ص 23

العدد 1105 - 01/5/2024