احذر ان تكون مصاص الدماء في حياتك وحياة الآخرين

تهامة الدعبل:

كلنا نمرُّ بأوقات صعبة بين الحين والآخر، ونعيش تجارب قاسية نشعر خلالها بالحزن والضيق وفقدان الأمل، وهذا أمر طبيعي، فالصعوبات جزء لا يتجزأ من حياتنا، وشرٌّ لا بدَّ منه.

خلال استرجاعك لأحد المواقف القاسية التي عشتها، هل تذكر أن أحد الأشخاص المقربين منك خلال محاولته مواساتك قال لك: (هدّئ من روعك فقد كان يمكن أن تسوء الأمور أكثر من ذلك، انظر إلى الجانب المشرق وحسب!). عندما تستذكر ذاك الموقف الآن قد تشعر أنه كان محقاً فعلاً، فالشخص الذي حزنت على فقدانه قد كان رحيله خيراً من بقائه، والوظيفة التي غادرتها مرغماً قد حصلت على أفضل منها، ولكن هل في تلك اللحظة شعرت بهذه المشاعر ذاتها؟ من المؤكد أنها في ذلك الوقت قد أثارت غضبك وحزنك، فأنت لا ترى أن هناك أسوأ ممّا حدث ليحدث، ولست قادراً على رؤية أي جانب إيجابي في الأمر، أو قد تكون أنت هذا الشخص الذي قال لأحدهم يوماً ما: (هدّئ من روعك، وانظر إلى الجانب المشرق في الأمر).

أو في موقف آخر حين كانت الأمور سيئة من حولك وأنت تشعر بالضيق والحزن أو الغضب قد لُمت نفسك لشعورك بهذا، وخاطبت نفسك قائلاً: (ما بك تنشر الكآبة وتتصرف كالضعفاء؟ من المؤكّد أن هناك خيراً ما في هذا، كفَّ عن جلب السوء لنفسك فقط)، لكنَّك في خطابك هذا مع ذاتك قد زدت الأمور سوءاً ولم تشعر بأي تحسن.

إن كنت قد مررت بأحد هذين الموقفين وشعرت بالسوء خلالهما فهذا أمر طبيعي، فقد وقعت في شباك التفاؤل المفرط، أو (الإيجابية السّامة).

من المؤكد أنك تستغرب وتستنكر كيف للإيجابية أن تكون سامّة؟ سنناقش معاً كيف تتحوّل الإيجابية إلى سامّة وكيف نستطيع تجنّبها.

التفكير الإيجابي نعمة من نعم الله علينا تعيننا على تجاوز الأمور الصعبة ومعالجتها وتخطّيها، ولكن علينا أن ندرك أن التفكير الإيجابي يصبح سامّاً حين يدفعنا إلى تجاهل المواقف المزعجة أو إنكار مشاعرنا الإنسانية الطبيعية، ويصبح الأمل هدّاماً حين يقف في وجه مشاعرنا أو يتجاهل حدّة الموقف الذي نعيشه.

 

ومن بعض الأمثلة على تلك التي نمرُّ بها خلال حياتنا: (التقليل من قيمة مشاعرنا الحقيقية أو الخجل منها أو إنكارها وإخفائها ظنّاً منّا أنَّنا بتجاهل المواقف السلبية سنتجاوزها وننسى وجودها، أو التظاهر بأن كل شيء على ما يرام في حين أنَّه ليس كذلك، أو التقليل من قيمة مشاعر الآخرين والاستهزاء بها، أو تحويل مآسينا إلى نكات نضحك عليها كتلك التي انتشرت أخيراً عن أوضاع الكهرباء والمحروقات وغيرها، أو المبالغة في استخدام العبارات التحفيزية.

هل هذا يعني أن نتحول إلى أشخاص كئيبين ننشر البؤس أينما حللنا؟ بالتأكيد لا، ولكن المقصود هو أن تسمح لنفسك بعيش مشاعرك بصدق دون أن تلبسها أيَّةَ أقنعة، وأن تتقبَّل وجودها لتسمح لها بالمرور بسلام دون محاولة لكبتها، فالمشاعر التي لا تُعبّر عنها تبقى داخلك تبحث عن اللحظة المناسبة للظهور والتعبير عن ذاتها، فترى نفسك تستشيط غضباً لأسباب تافهة لا تستحق هذا الغضب كله وأنت لا تعلم السبب الحقيقي وراء ذلك.

كذلك كن مصغياً جيداً، ففي كثير من الأحيان يكون الشخص الذي يشكو لك حزنه ليس بحاجة إلى أن تبحث له عن حلول لمشكلته، هو فقط يريد أن يُعبّر عمّا بداخله، فاسمعه وتعاطف معه ولا تسرد ما لديك من اقتراحات وحلول ما لم يُطلب منك ذلك.

إضافة إلى ما سبق احرص على اختيار الوقت المناسب. من المؤكّد أنه يوجد خير قائم في كل موقف يحدث، ولكن ليس كل وقت يكون مناسباً لقول هذا، تقول إحدى المقولات المشهورة: (لا يمكنك رؤية قوس قزح وأنت في قلب العاصفة)، بمعنى أنك لن تستطيع رؤية الجانب المشرق للأمر وأنت في شدّة غضبك وحزنك، لذا حين تريد تقديم نصيحة لأحد ما، اختر الوقت المناسب لذلك.

الإنسان عاطفي بالفطرة ومملوء بالمشاعر المختلفة كالحزن والغضب والفرح والسخط والسعادة وغيرها، تعاطف مع ذاتك ومع الآخرين واسمح لنفسك بعيش مشاعرك بصدق دون استهتار حتَّى لا تكون سلبياً وسامّاً في حياتك وحياة من حولك.

العدد 1105 - 01/5/2024