مطالب وحقوق أصبحت أمنيات

ريم داوود:

مع اقتراب نهاية العام الحالي، واستعداد البعض لاستقبال العام القادم، وأقول هنا (البعض) لأن الشغف والرغبة انتهت وشحَّ وجودها في نفوس الكثيرين.

أيام تمرّ كغيرها نقضيها في حسرة وأمل علَّ الأحوال تتغيّر نحو الأفضل، لكن ما هو الأفضل؟ لا نزال جاهلين غير عارفين إلى أين المسير.

منذ فترة ليست ببعيدة أطلق بعض الشبان مبادرة لطيفة على مواقع التواصل الاجتماعي (سوشال ميديا) (f) كان مفادها هاش تاغ# ارفعوا العقوبات عن سورية، واتضح كمّ المعاناة والألم الذي انصبَّ في الإقبال على هذه المبادرة. صمتُّ برهة بين نفسي وذاتي أتساءل: هل حقاً نحن بحاجة إلى رفع العقوبات الدولية عن سورية؟ أم أننا بحاجة إلى رفع مستوى أخلاق ضعاف النفوس ممَّن فقدوا الأخلاق والضمير؟

هل نحن حقاً نعاني أزمة العقوبات الاقتصادية؟ أم نعاني أزمة ثقافية اجتماعية نتجت عن الجشع والطمع وحب الثروة اللامتناهي؟

جلست وحيدة أفكّر بالحال الذي وصل إليه الناس، وعن أي مجتمع أتحدث؟ عن أيّة ثقافة يمكننا الكلام؟ ما السبيل للحل والحيلولة دون هذه الكارثة؟ لكن للأسف أصابني الصداع قبل أن أصل إلى الجواب المطلوب، لكنني حاولت تفنيد بعض ما يعانيه المجتمع السوري اليوم.

  • أزمة اقتصادية مادية: تشكّل هذه الأزمة العائق الأكبر في حياة ٨٠% من الشعب، ذلك أن اقتناء الحاجيات الأساسية أصبح حلماً لا يُدرَك، وكأن المواد التموينية تداعب المستهلكين كما لعبة القط والفأر في خندق مطاردات غير ناجحة، يعود منها المستهلكون مطأطئي الرؤوس لا حول لهم ولا قوة أمام غلاء الأسعار.

فضلاً عن الألبسة والأحذية التي تُعدُّ ستراً ودرءاً، والتي أصبحت وكأنها أمنيات تحلّق في السماء، يرجوها الأطفال قبل الكبار، والكاسب فيها من استطاع التحليق خلفها دون أن ينكسر!

  • أزمة اجتماعية: إننا اليوم وبعد تعب وثقل هدَّ كواهلنا لم نعد نقوى على الالتزامات الاجتماعية أيّاً كان مضمونها أو شكلها أو المسمّى الذي تندرج تحته، لم نعد قادرين على مواجهة التحديات المجتمعية بهمة وقوة، فنحن بلا شك أُنهِكنا واستُنفدنا حتى الرمق الأخير، لدرجة لم يبقَ من الحياة الاجتماعية لدينا سوى تلك الأسرة المُصغّرة ندافع عن كينونتها واستمرارها، لأنها العماد الأول والركن الأساس في ثبات المجتمع.
  • أزمة ثقافية: لطالما شكّلت الثقافةُ الخطابَ الأكثر نفاذاً في العالم كله، لأنها تنقل الصورة الحقيقية لشعوب الأرض كلها، فالثقافة لا تحارب بالسلاح إنما بالثقافة ذاتها.

وعلى الرغم من شدّة ما مرّ به المجتمع السوري من مآسٍ وحروب وويلات، إلاّ أنه لم يشهد مثيلاً لما يعيشه اليوم.

ولنوضح أكثر علينا أن نؤكّد أننا لسنا ضدَّ الوافد من الحضارات والثقافات، لكن علينا أن نراعي تمازج هذا الوافد مع واقعنا، وتناغمه مع ثقافتنا وإلاّ سنقع في خندق الضياع، وأظن أننا وقعنا.

  • أزمة تعليمية فكرية: يواجه المجتمع حالياً أزمة تعلّم واضحة، ففي حين تمكّنت بلدان كثيرة من زيادة فرص الحصول على حق التعليم والالتحاق بالمدارس، نعاني نحن العكس تماماً، فحالات التسرّب الدراسي فاقت المعقول، عزوف كثيرين عن متابعة التعليم في مرحلة التعليم الثانوي، منع الفتيات من التعلّم في معظم الضواحي واللجوء لتزويجهن، زجّ الصبيان في سوق العمالة القاتل، فبعد أن أثبت المجتمع السوري لأجيال طويلة قدرته على الانفتاح والتطور والتقدم عاد منكِّساً راياته منزلقاً نحو الهاوية حتى دون الكبس على فرامل أو مكابح الأمان!

سنوات مرّت علينا كالعلقم ولاتزال مرارتها تحجب أحلام الشباب مُكمّمة أفواههم، مُكتّفة أيديهم مانعة إياهم من تحقيق الأهداف، فهل يكون القادم أفضل؟ هل نلمس تغيّراً جذرياً يبثُّ الروح في نفوسنا من جديد؟

أم أنها ستكون سنة كسالفتها نعدُّ فيها الأيام بالساعات؟!

العدد 1105 - 01/5/2024