معاناة النساء كوميديا ساخرة في العالم الافتراضيّ

نور سليمان:

(أجمل ما قيل في الجندر) هاشتاغ أطلقَته فتاة سوريّة يهدف إلى تسليط الضّوء على العبارات والمصطلحات التي نتداولها فيما بيننا دون فهم كامل لما تحمِلُه من إساءةٍ وانتقاص للذّكر والأنثى، لكنه ما لبثَ أن تحوّل إلى معركةٍ افتراضيّة بين أفراد المجتمع، وتصدّرت النّسويات هذه الحملة من خلال التّعبير عن المعاناة بسخرية نوعاً ما، تحملُ من النّقد والألم الكثير.

انقسمَ المجتمع الفيسبوكي ما بين معارض لهذه الحملة ومتضامن معها، ونسبةٌ كبيرة من المعلقين لم تعلم ماهيّة مصطلح (الجندرة) ومنشأه، بل على العكس تماماً باتَ لدينا نسبة لا بأس بها تعكسُ صورةَ المفاهيم المغلوطة للكثير من المصطلحات، ويتمّ نبذ هذه المفاهيم والمصطلحات وإنكارها بسبب أصولها الغربيّة، فنحن العرب، بحسب رؤية هؤلاء، نرفضُ أيّ تدخل خارجيّ على عاداتنا وتقاليدنا، وإن كانت بالية لا بأس بها، فهي أفضل بكثير من التّطوّر والانفتاح.

الحملات أو الحراكات النّسويّة أو المجتمعيّة التي تهدف للتّوعية بالإشكاليّات المؤذية التي يتعرّض لها الأفراد، من المفترض عند استخدامنا لأداة محدّدة لتسيير الحراك أن نكون على قدر من الوعي بأنّ هذه الأداة تتضمن جوانب سلبية بالتّأكيد، لكن علينا أن نسمع الفئة المعنيّة دون اتهامات بعداوة النساء للنساء، أو بالذكورية، أو بالتماهي مع القمع والغيرة من المتحررات.

ظهر مصطلح (الجندر) في سبعينيات القرن العشرين والـ(جندر_ Gender) كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتيني، وتعني في الإطار  اللغوي (Genus)، أي: الجنس من حيثُ الذكورة والأنوثة، وكانت آن أوكلي هي التي أدخلت المصطلح إلى عِلم الاجتماع، وتوضح أوكلي أنَّ كلمة (سكس_ Sex)؛ أي: الجنس، تشير إلى التقسيم البيولوجي بين الذكر والأنثى، بينما يشير النوع (الجندر) إلى التقسيمات الموازية وغير المتكافئة اجتماعيّاً.. إلى الذكورة والأنوثة.

ومفهوم (الجندر) يوضِّح الفروق بين الرجل والمرأة الحاصلة من الدور الاجتماعي المنوط بهما، والمنظور الثقافي والوظيفة لكلٍّ منهما، وهذه الفروق هي نِتاج لعوامل دِينيَّة وثقافيَّة، وسياسية واجتماعية، أي: إنها فروق صَنَعها البشر عبرَ تاريخهم الطويل، وهي فروق يمكن تجاوزها في إطار المساواة بين الرجل والمرأة، في حين لا يمكن فعل ذلك في الفروق الفيزيولوجية بين الرجل والمرأة التي تقف حاجزاً استفهاميّاً أمام مساواة مطلقة.

اتخذت حملة (الجندرة) منحىً آخر، وباتَت معاناتنا كنساء في المجتمع مسرحية كوميدية هزليّة، أي تحوّلت من قضية هادفة تتمتّع بحقوق واجبة إلى سخرية إلكترونيّة، لذلك كان من الواجب إيقاف تلك الحملة لأنّها تحوّلت إلى ضرر كبير.

العدد 1107 - 22/5/2024