اعترافات السيناتور بلاك.. كيف سعت أمريكا لخنق السوريين

ديانا رسوق:

المؤامرة التي خططت لها الولايات المتحدة الأمريكية بعناية، فضح تفاصيلها العديد من المسؤولين والباحثين الأمريكيين ومنهم السيناتور ريتشارد بلاك، حين صرّح: أردنا أن ننتزع القمح لنسبب المجاعة للشعب السوري. وكانت فكرتنا أنه من خلال سرقة النفط ثم الغاز سنكون قادرين على إغلاق نظام النقل، وفي الوقت نفسه خلال فصل الشتاء يمكننا تجميد السكان المدنيين حتى الموت، وأضاف السيناتور إن السوريين قاتلوا أمام ثلثي القوة العسكرية والصناعية في العالم، كيف لأمة يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة أن تصمد؟ لذا قررنا التحرك وإلا كنا سنخسر سورية بكاملها، وهكذا فرض الكونغرس عقوبات قيصر. وأضاف بلاك: إن الهدف من السيطرة الأمريكية على الشمال السوري هو إخضاع الشعب السوري.

تصريحات السيناتور الأمريكي أكدت أمراً كان معروفاً لدى الشعوب التي تقاوم وحدانية القطب الأمريكي التي تحكم السياسة والاقتصاد العالميين، السيناتور بلاك أوضح جزئيات معينة لهذه السياسة، لكن أمريكا تسعى لخلق فوضى ليس فقط في الشرق الأوسط إنما في العالم بأسره، والهدف هو الإبقاء على وحدانية القطب، وكل منطقة تعادي سياسة أمريكا وفق المنطق الأمريكي يجب أن تُقلب رأس على عقب بالدرجة الأولى الشرق الأوسط وعلى الأخص سورية، التي تشكل محور المقاومة لاستباحة الشرق الأوسط من قبل الكيان الصهيوني.

لذلك كل ما أضافه السيناتور هو توضيح جزئيات لهذا المخطط الذي ظهرت نتائجه في الخسائر البالغة التي لحقت بسورية، بسبب فرض العقوبات والحصار الأمريكي، وقدرت بحسب الخبراء الأوربيين بنحو 500 مليار دولار. بينما قدرها الاقتصاديون السوريون أنها تفوق 700 مليار دولار.

قطاع النفط كان له الحصة الأكبر من هذه الخسائر، فنصيبه منها يناهز 110 مليارات دولار، انعكست سلباً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية في سورية، خاصة إذا علمنا ان مشتقات النفط عنصر أساسي يدخل بجميع الأنشطة الاقتصادية وتوليد الكهرباء.

قبل الأزمة كانت سورية تنتج يومياً 385 ألف برميل من النفط، وكان الاستهلاك يقدّر بـ 200 ألف برميل، كما كانت تصدر البترول الخام، وبعد فقدان هذه الثروة بسبب العدوان والاحتلال الأمريكي لحقول النفط بمساعدة حلفائه من (قسد) وغيرها، لا نستغرب ما نشهده الآن من ارتفاع بأسعار المشتقات النفطية، علماً ان الحصار والعقوبات تصعب من استيراد هذه المشتقات من الخارج، وكلنا نعلم عدد الناقلات التي تمت مصادرتها وهي في طريقها الى سورية، وهذا لا يعني أن الحكومة تصرفت بحكمة وعدالة في مسألة توزيع هذه المشتقات النفطية على القطاعات الأساسية وتغذية المواطنين بالكهرباء، إذ جرى في كثير من الأحيان تهريب بعض هذه المستوردات وبيعها في السوق السوداء، كما تُحرم الفئات الفقيرة ومناطقها السكنية من التغذية الكهربائية لصالح الفئات الثرية وأحيائها (الراقية).

الفساد موجود في هذه المسألة، وهذا ما أكده وزير النفط والثروة المعدنية مؤخراً، في تصريحه للتلفزيون السوري بقوله إن الفســاد وسـوء الإدارة في القطاع النفطي مرتبط بالفسـاد الذي يطور أساليبه.. والوزارة تعمل على المتابعة، وقد اكتشفت الكثير من الحالات في المحافظات، وتم استرداد مبالغ كبيرة. وإن تأمين التوريدات النفطية عن طريق الاستيراد خارج عن إرادتنا وهو خاضع لاعتبارات دولية، ولا إمكانية لتخصيص كل القطع الأجنبي لاستجرار المشتقات النفطية، فهناك قطاعات أخرى بحاجة أيضاً.

سورية تعاني، وأحد أهم الأسباب الرئيسية لمعاناتها هو فقدان ثروتها النفطية. وماتزال الولايات المتحدة تستمر في منعها من استغلال المناطق المأمولة من الغاز والنفط  في المياه الإقليمية (البحر المتوسط ) يكفي تسليط  سيف العقوبات والحصار كي تحاصر الولايات المتحدة سورية في هذه المسألة، فاستخراج النفط من المياه الإقليمية يتطلب تكاليف عالية والمردود سيكون وفيراً، لكن بداية يجب توفر تكاليف هذه العملية، وهذا غير ممكن في المرحلة الراهنة ولا تقدر عليها خزينة الدولة السورية، والسبب هو تراجع الإيرادات العامة  وفقدان الفوائض الاقتصادية التي تغذي هذه الخزينة، وبالتالي فإن الولايات تعمل من خلال فرض العقوبات على منع سورية من توفير كل الإمكانات لاستغلال حقول النفط والغاز، وفتح الآفاق أمام استثمار ثروة قادرة على  تغيير وجه سورية.

العدد 1105 - 01/5/2024