شبح التنين الصيني يحوم في المنطقة

د. سامي أبو عاصي:

شهدت العاصمة السعودية الرياض، وعلى مدار ثلاثة أيام (7-10 كانون الأول)، عقد ثلاث قمم متتالية، حملت في طياتها توقيع العديد من الاتفاقيات ما بين جمهورية الصين الشعبية من جهة، والمملكة العربية السعودية، ودول الخليج العربي، وبعض الدول العربية من جهة ثانية.

وكانت المملكة العربية السعودية وعلى مدار الأشهر الأربعة الماضية تروج لأهمية عقد القمة الصينية العربية، في حين لم يرسل الجانب الصيني أي إشارة إلا حين أقترب موعد عقد القمة، مُثبتاً حضور الرئيس الصيني تشي جيغ بينع لفعالياتها، مُعلناً أنها الزيارة الأولى له لمنطقة الشرق الأوسط بعد انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، فاصلة بينها وبين زيارته الأولى ست سنوات، تخللها رفع مستوى العلاقة بين الجانبين الصيني والعربي، وهو ما بدى واضحاً من كم الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها والمتجاوزة لبعدها الاقتصادي، بالانتقال نحو فضاؤها السياسي.

لقد أتى توقيت الزيارة في ظل تصاعد التوتر ما بين الإدارة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، وذلك على خلفية رفض الأخيرة مطالب الأولى بزيادة أنتاج النفط، لا بل على العكس قامت بتخفيضه، وذلك من خلال دورها الرئيسي في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وهذا ما اعتبرته الإدارة الأمريكية انحيازاً ودعماً للجانب الروسي في صراعه مع أوكرانيا، حيث تستفيد روسيا من الوفرة المتأتية من ارتفاع أسعار المشتقات النفطية.

لقد كان واضحاً السعي المحموم من الجانب السعودي لعقد القمة، مدفوعاً بكمية الآمال المعقودة على عقدها. حيث أراد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن يستفيد منها على الصعيدين الداخلي والخارجي. حيث ما يزال ولي العهد يواجه صعوبة لإثبات أهليته للحكم، وذلك بعد أن أتى على خلفية سحبه ولاية العهد من أبن عمه (محمد بن نايف)، والذي بدى أنه مرَّ بسلاسة ولكن ما لا شك فيه أنه لم يكن الأمر كذلك في أروقة الأسرة الحاكمة. ولي العهد والذي يروج نفسه بأنه إصلاحي ويحمل رؤية أطلق عليها 2030 يسعى من خلالها إلى إحداث إصلاحات عميقة في الجانب الاجتماعي مترافقة بخطوة نحو تغيير الهيكلة الاقتصادية المعتمدة على قطاع النفط، ساعياً نحو تنويع القاعدة التي يقوم عليها الاقتصاد السعودي، وهو ما سيلاقيه من خلاله انفتاحه على الجانب الصيني ذات ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهذا يحتاج الى توطين بعض الصناعات الصينية داخل المملكة، والبحث عن فرص لاستثمار (أموال الصناديق السيادية) في السوق الصيني، تُمكِّنها من توفير استثمارات مختلفة في قطاعات اقتصادية متنوعة خارج دائرة النفط والغاز، سواء داخل البلاد أم خارجها. فذلك سيجنِّبها الاعتماد شبه المطلق على تصدير المواد الخام ويحميها بالتالي من مخاطر تقلبات الأسعار في الأسواق العالمية للطاقة وتأثيراتها على العائدات السنوية.

أما على الجانب الخارجي فإن المملكة العربية السعودية تحاول أن ترسل رسالة للإدارة الأمريكية مفادها أن الإخلال بمبدأ الحماية الأمنية التي ضمنها الجانب الأمريكي للجانب السعودي لعقود مضت والتي تميل الإدارة الأمريكية للتخلي عنها اليوم، تدفعنا (السعودية) للبحث عن شركاء جدد يخرجنا من حالة التبعية ويؤمن مصدر توازن جديد لنا في المنطقة. هذا التحول سوف يكون له تبعات، وهو مما لا شك فيه يأتي داعماً لمسار للخروج من عالم القطب الأوحد، وهو ما يثير مخاوف الولايات المتحدة التي عبرت عن امتعاضها من الزيارة معلنة أن الزيارة الصينية تأتي تنفيذاً لمشروع التوسع الصيني وهو ما لن تقبل به.

مما لا شك فيه فإن الصين لها مصالحها في التوجه نحو المنطقة العربية، خاصة أن معظم إمداداتها النفطية تأتي من دول هذه المنطقة، وهي تسعى للظفر بأكبر قدر ممكن من هذه الإمدادات لكي تدعم عملية نهوض اقتصادها بعد فترة الركود التي مر فيها خلال فترة أنتشار كوفيد-19. وتسعى الصين للخروج من معادلة البترودولار، وهي ما أشارت إليه أثناء انعقاد القمة الصينية- الخليجية وذلك برغبتها نحو التحول بدفع مشترياتها من النفط بعملتها المحلية (اليوان الصيني).

ولا يبدو أن للصين أي رغبة بأن تقوم بالمهمة التي كان يقوم فيها الوكيل الأمريكي بالحماية الأمنية لدول الخليج. حيث أن الصين ما تزال متمسكة بمبدأ التعاون مع الجميع وليس الانحياز لأي طرف. وللتدليل على ذلك فبعد انتهاء أعمال القمم الثلاث الصينية العربية، أعلنت الصين عن زيارة يقوم فيها نائب رئيس مجلس الدولة الى إيران وتتبعها الأمارات العربية المتحدة.

غابت الجمهورية العربية السورية عن حضور القمة الصينية -العربية، وبقي مقعدها شاغراً في قاعة القمة، ولكن العلم السوري كان حاضراً، في دلالة قد تكشف الأيام القادمة عما تتضمنه.

العدد 1105 - 01/5/2024