احترام الآخر جزء من احترام الذات

ريم داوود:

لطالما أيقنّا وسلّمنا بأن الحياة الاجتماعية تعتمد في مضمونها على العلاقات والتواصل، فكلما كان التواصل سليماً كانت العلاقات ناجحة ونافعة، ومن هنا لابد لنا أن ندرك أهمية وجود الآخر في حياتنا، وأننا لو استطعنا المضي في هذا الكون الرحيب محققين حاجاتنا ورغباتنا باستقلالية تامة دون الحاجة لوجود الآخر لما بحثنا وسعينا خلف تطوير هذه العلاقات وصقلها ضمن شبكة تضمن احترام ذواتنا وذوات الآخرين على السواء.

وعليه فإن العلاقة مع الآخر تصبُّ في بوتقة تقدير الإنسان لذاته، فماذا يعني تقدير الذات؟

تقدير الذات هو تقدير الشخص لنفسه ولأهميته، وجعل تصرفاته وسلوكه محسوبةً لنفسه، وأن يتصرف بمسؤولية تجاه الآخرين.

فتقدير الذات يؤثّر على كل تصرفات الإنسان، فكل منّا ولد بمقدار من المشاعر الإيجابية التي تعمل في حياته، والفائز فيها من يعرف كيف يستغل هذه الإيجابية في تنظيم حياته وعلاقاته مع الآخرين.

  • اختلافنا سرّ جمالنا:

أثناء عملي السابق مع طلاب إحدى المدارس، ووفقاً لطبيعة عملي (مرشدة ومختصّة اجتماعية)، ومن خلالي لقاءاتي المتكرّرة مع الطلبة، لفتتني ظاهرة غريبة وشدّتني نحو متابعتها والاهتمام بسلبياتها وآثارها الكارثية في نفوس الأجيال، لقد كنت دائمة اللوم والعتب، فنظراتي كانت تفضحني، وردّات فعلي كانت توضح موقفي تجاه تصرفات أولئك الطلاب، علماً أنني كنت على يقين بأن لا ذنب لهم في ذلك، لكن من المؤكّد أنهم جاهلون، ولا يمتلكون ثقافة احترام الآخر التي تعتمد في الدرجة الأولى على تقبّل الآخر كما خلقه الله، وأن أعامله كما أحب أن أُعامَل.

كانت ثقافة الطلبة تعتمد على منحيين من السلوك السلبي، فإما أن يكون الآخر نسخة مُصغّرة عني فأقبله، أو أن أعمل جاهداً لإقصائه عني، الشيء الذي دفع بي لطرح موضوع مُحدّد كان عنوانه: (كيف أحترم الآخر).

يظهر احترام الآخر من خلال الاهتمام بمشاعره واهتماماته، بغض النظر عن توافقها مع اهتماماتي ومشاعري، فنحن في النهاية بشر نملك مشاعر مختلفة وأفكاراً متنوعة تقودنا بالضرورة إلى آراء مختلفة ومتباينة، والأهم من ذلك أننا لسنا مطالبين بأن نكون نسخاً رقمية، أو صوراً ونُسخاً بعضنا عن البعض الآخر، فاختلافنا يُكمّلنا.

  • كيف أحترم الآخر: كثيراً ما يتساءل الأفراد: ما الذي يجب عليّ فعله لأقدم كامل الاحترام للآخر؟

فنجيب مشيرين ببساطة شديدة إلى بعض الإرشادات التي يمكن اتباعها:

– أصغِ للآخر جيداً عند التحدّث: وهنا أقصد بالإصغاء ليس فقط مجرّد الاستماع، بل عليّ أن أبدي اهتماماً وتركيزاً يشعر به الآخر أثناء إصغائي له دون مقاطعته أو إيقافه، بل علي أن أمنحه الوقت الكافي للتعبير عن أفكاره.

– أتعامل مع الآخر بتواضع ومحبة ودون تكبّر أو مفاخرة، فالإنسان يتباهى بأدبه وأخلاقه، لا بأملاكه وثرواته.

– أعتذر عند الخطأ: وهذا ما يفتقده معظم الناس، فكثيرون يعتقدون أن في الاعتذار مذلّة وضعفاً، غير مدركين أن الاعتذار يدلُّ على القوة والثقة العالية بالنفس.

– أتحدث مع الآخر بصوت هادئ، منخفض ولطيف: لأن الهدوء يبعث السكينة في النفس ويمكّن الطرفين من التواصل بشكل سليم وفعّال، ممّا يوفّر احتراماً متبادلاً بينهما.

– أحترم اختلاف الآخر عني: وهنا بيت القصيد، فكما أشرنا في مستهل المقال أننا لسنا مدعوين لنكون نسخاً متطابقة.

– لا أتحدّث بخصوصيات الآخرين: وهذا واجب عليّ وحق للآخر.

– أبتعد عن التنمّر: لأنه يقود إلى شعور الآخر بالدونية وأنه على قدر أقل من الاحترام.

– أساعد قدر الإمكان: حيث ينبغي علينا كآباء وأولياء أمور أن نزرع في نفوس أبنائنا حب المساعدة وتقديم العون لأي انسان دون انتظار المقابل.

لذا، لا بدّ من التأكيد أننا جميعنا صورة الله على الأرض، فلنُحسن إظهار هذه الصورة بالشكل الذي يليق بإنسانيتنا.

العدد 1105 - 01/5/2024