زواج القاصرات.. عنفٌ صامت

ريم داوود:

يقيناً منّا بأن الانسان كائن عاقل، يملك القدرة على إصدار الأحكام، وتسليماً بأنه كائن ناطق، لجأ إلى اللغة بهدف التعبير لا عن حاجاته فقط، بل عن انفعالاته وصراعاته أيضاً.

لكن للأسف لم تستطع اللغة امتصاص عدوانيته وكبح جماح غضبه وردّات فعله، بل لجأ للتعبير عنها بأساليب بدائية تتمثل بالعنف والإكراه والإيذاء.

وعلى الرغم من القوانين والأنظمة التي سنّها البشر لضمان الوفاق الاجتماعي، والتناغم الحياتي، إلاّ أنها لم تُنهِ القتل والإجرام، ممّا دفع العديد من الفلاسفة والمفكرين للإقرار بأن هناك صراعاً بين الحقيقة والعنف.

  • العنف الأسري:

حظي هذا النوع من العنف باهتمام كبير من قبل الدارسين والباحثين من علماء وأطباء، ومختصّين ومرشدين، لأن الأسرة هي الركيزة الأساسية في المجتمع وهي دعامته الأولى، فإذا ما انحلّت الأسرة انحلَّ المجتمع.

يُعرّف العنف الأسري بأنه اعتداء لفظي، أو جسدي أو جنسي، صادر عن الأقوى في الأسرة تجاه فرد أو أفراد مستضعفين، الشيء الذي يقود بالضرورة إلى أضرار نفسية، وجسدية واجتماعية.

أما اللّافت والذي من الضروري الإشارة إليه فهو دوافع هذا العنف.

لقد أجريت دراسات عديدة وأبحاث متنوعة، منها ما ردّ العنف لأسباب اجتماعية وأخرى اقتصادية، في حين وجد البعض أنها تعود لدوافع ذاتية، فما المقصود بذلك؟

-الدافع الذاتي: يُقصد به ما تَكَوّنَ في نفس الانسان نتيجة العنف الذي مورس عليه، والحرمان والإهمال الذي تعرّض له، ممّا أدى إلى تراكم مشاكل نفسية مختلفة لديه.

-الدافع الاقتصادي: وهو ما يندرج ضمن العوامل الاقتصادية وسوء الأحوال المادية التي تدفع بالفرد إلى استخدام العنف.

-الدافع الاجتماعي: ويُقصد به العادات والتقاليد التي شبَّ عليها الانسان والتي تتطلّب في كثير من الأحيان حسب ثقافة المجتمع أن يكون الرجل مسيطراً في قيادة أسرته، وتتناسب جميع هذه الدوافع طرداً مع ثقافة المجتمع ووعيه.

  • زواج القاصرات:

بداية يجب علينا توضيح مفهوم القاصر، وهو من لم يبلغ سن الرشد، أي من لم يصل إلى عمر الثامنة عشرة، فيوضع تحت حماية أو وصاية.

يُعدُّ زواج القاصرات واحداً من أنواع العنف الصامت القاتل الذي يمارس تجاه الفتيات، ولمعرفة دوافع هذه الظاهرة سنمرّ على بعض الأسباب التي تدفع بالأهل إليه.

الجهل: يُعدُّ الجهل عاملاً أساسياً يدفع بذوي الفتاة إلى تزويجها قبل أن تبلغ سن الرشد، غير مكترثين بصغر سنها، وعدم قدرتها على تحمّل أعباء الحياة الزوجية، جاهلين الآثار السلبية الناجمة عن هذا القرار الذي يكون في ٨٠% منه زواجاً إكراهياً.

الخوف: يدفع الخوف بوالد الفتاة نحو تزويجها بحجّة الستر والحفاظ عليها من المعتدين والمتحرّشين يقيناً منه أنه يقدّم الحماية والأمان لها، غير مدرك الأعباء الجمّة التي أثقلها بها.

الموروث الثقافي: تلعب ثقافة المجتمع دوراً كبيراً في هذه الزيجات استناداً إلى عادات وتقاليد متوارثة عن ضرورة وأهمية تزويج الفتاة في عمر الزهور، ذلك أنها تمتلك وحسب اعتقادهم خصوبة عالية تمكّنها من الإنجاب بكثرة، غافلين عن أنها لاتزال طفلة غضّة طرية العود لم تكتمل أعضاؤها التناسلية بعد.

  • أضرار زواج القاصرات:

تتعرض الفتيات اللواتي يزوجن بعمر الطفولة أي ما قبل ١٨ سنة لمشاكل عديدة على الصعيد الجسدي، الجنسي، النفسي والاجتماعي، ونذكر منها:

-ازدياد نسبة الإصابة بهشاشة العظام.

-مشاكل فقر الدم والعوز له.

-ارتفاع معدلات الإجهاض والولادات المبكّرة نتيجة عدم اكتمال نمو الفتاة.

-ارتفاع حالات الوفيات لدى الفتيات الحوامل، إذ لا يستطيع جسدها الهش احتمال آلام الولادة.

-عدم اكتمال النمو الجسدي والأعضاء التناسلية بشكل خاص ممّا يسبب حالات تهشّم ونزيف حاد أثناء العملية الجنسية تصل في كثير من الأحيان حدَّ الموت.

-التشوّهات الكبيرة التي يشهدها الأجنّة الذين ولدوا من أمهات قاصرات.

-اضطراب العلاقة الجنسية لديها نتيجة عدم إدراكها لطبيعة هذه العلاقة.

-حرمانها من حقها في التعليم والعيش في كنف والديها، وهذا يعود سلباً عليها وعلى الأطفال.

-العلاقات الأسرية السّامة والعنف الذي تتعرّض له الفتاة من قبل الزوج وأهله كونها صغيرة مُستضعفة.

كل ما ذكر سابقاً عن زواج الفتيات القاصرات يُعدُّ عنفاً صامتاً يمارس من الأهل ومن الزوج الذي قبل بهذا الزواج، فهو يُسَرُّ باختيار فتاة صغيرة (ليربّيها على إيدو) كما هو متداول بين العوامّ، وكم تحمل هذه العبارة من ألم وعنف وأسى؟

نعاود حديثنا وكلنا أمل أن تقود هذه المبادرات إلى عمل جاد تكون نتيجته الحد من كل مظاهر العنف الممارس تجاه الأنثى.

مراجع:

  • كتاب العنف العائلي، د. مصطفى عمر التير.
  • كتاب العنف، محمد الهلالي.
  • سوسيولوجيا العنف ضد المرأة، أ. د. مديحة أحمد عبادة، أ. خالد كاظم أبو دوح.
  • كتاب زواج القاصرات بين الدين والعادات، د. عادل العبيد الجبار.
العدد 1105 - 01/5/2024