ابتزاز يتجاوز المحظورات

نور سليمان:

المحامي الداية: دعاوى الابتزاز الإلكتروني تتزايد.. والقانون في طرف الضحية

(عندما رأيتُ ما فعله بي فقدتُ ثقتي بالعالم)، هذا ما قالتهُ فتاة مصدومةٌ لا تعِي ما حصلَ معها تماماً، فمعركتها لم تكن مع أحدٍ غريبٍ بل كانَ مبتزّاً من نوعٍ آخر، مع شخصٍ لطالما اعتقدت أنّه سندها في الحياة، رغم الخلافات الطّبيعيّة، في بدايةِ الأمر لم يخطر على بالِ (رنا 23 عاماً) أنّ أخَاها أوقعَها في خندقِ الابتزاز، مستغلّاً صورها لكسبِ المال.

تقول رنا: (تركتُ هاتفي المحمول وهو على الشّحن دون كلمة سرّ، وعندما عدتُ وجدتهُ بيد أخي، واكتشفت صدفةً أنّه أرسل صوري الخاصّة إلى جهازه عن طريق تطبيق الشير، لم أعِ لماذا فعل هذا، ولم أعلم ما الذي قد أواجهُه به).

بداية الأمر لم يخطر على بالي أبداً الشّكّ بأخي، فهو الصّغير بيننا والمدلّل، أمّا اليوم فأنا أراه مبتزّاً مستغلّاً، غاضبة منه وعليه، لكنّني لم ألجأ للقانون ولم أرفع دعوى، اكتفيتُ بإخبارِ عائلتي فقام أخي الكبير بطرده، وأخذ هاتفه، بعدما أنكرَ فعلته.

هذه الحادثة تقودنَا إلى أنّ التّربية الصّحيحة تلعبُ دوراً في تنشئةِ الأطفال، والإهمال ورفاق السّوء والاستخدام غير الواعي للتّكنولوجيا يوقعنَا في فخّ الأخطاء الكارثيّة، التي لا تحتسب عواقبها، لذلك على الأهل مراقبة أطفالهم والاهتمام بهم، والتّواصل الفعّال معهم وكسب ثقتهم حتّى لا نقع في خندق الخوف الذي يجعلُ المشكلة تتفاقم دون حلول.

وفي روايةٍ أخرى تعرّضَت (ميادة 27 عاماً) لتهديدٍ علنيّ وابتزازٍ من زوجها بعد شهرٍ على زواجهما، فأيّ منّا تتوقّع أن يقوم زوجها بتصويرها أثناء العلاقة الجنسيّة، ليهدّدها لاحقاً بنشر الصور؟!

تقول: (كان يصوّرني أثناء العلاقة الحميميّة، لم أستطع ردعه، فأنا تربّيتُ وتعلّمت ألّا أرفضَ كلمةٍ لزوجي، خاصّة (جنسيّاً)، فمن وجهةِ نظرهِ (جسدي) ملكه وهو حرُّ التّصرّف به، كيف أخبرُ المجتمع والعائلة ونفسِي عن فعلتهِ القذرة؟ وكيف أواجهُ نفسِي أمام المرآة؟! لكنّه لم يقف هنا.. بل تطوّر إلى تهديدِي بنشره المقاطع مقابل المال، إضافةً إلى إجباري على ممارسة العلاقات مع غيره والمتاجرة بي، أي تحوّلت علاقتي الزّوجيّة إلى دعارة!

لم أقبل بهذا.. فكانَ القانون طريقي الوحيد، رفعتُ دعوى طلاق، وتمّ سجنه وتغريمه).

المجتمع الذي نعيشُ بهِ يجعلُ الرّجل صاحب السّلطة الوحيدة على المرأة، ويلقِي أحكامهُ المغلوطَة عليها محمّلاً إيّاها أخطاءه، وينظر نظرةَ النّقص إلى (المطلّقة)، دون رغبتهِ بمعرفةِ أنّ مثل هذا النّوع من الرجال لا يصلحُ زوجاً أو أباً، بل على العكس هو سبب مهمّ لتفكّك الأسرة، وانهيار أساسها.

وفي لقاء مع مكتب (الدّاية) للمحاماة حول موضوع (الابتزاز الإلكترونيّ) قال المحامي عبد الفتاح الدّاية: (إنّ الابتزاز بشكل عام معاقب عليه وفق قانون العقوبات، وجريمة الابتزاز الإلكتروني إحدى صور الجريمة الإلكترونية، وقد أتى عليها المُشرّع بأكثر من قانون ومادة محاولاً مكافحتها والحد منها ومعاقبة مقترفها عن طريق المزيد من النوعيّة والتخصّص في النص).

مضيفاً إنّ أبرز أنواع الابتزاز الإلكتروني الأكثر ارتكاباً اليوم بتقديرنا هو الابتزاز المرتبط بغايات جنسية، ولكن هناك أنواع أخرى منها ما يتعلق على سبيل المثال لا الحصر، بحالات الشعوذة وابتزاز الناس تحت غايات متعدّدة كإتمام علاقة حب أو إفشال خطوبة أو نجاح عمل تجاري ونحو ذلك.

وخلافاً لما يعتقد البعض بأنّ هذه الجريمة متروكة قانوناً بشكل كامل، فإن قانون العقوبات المعمول به حالياً عاقب بالحبس والغرامة كل من هدّد شخصاً بفضح أمر أو إفشائه أو الإخبار عنه، وكان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص أو شرفه أو من قدر أحد أقاربه أو شرفه لكي يحمله على جلب منفعة له أو لغيره غير مشروعة.

أمّا القانون رقم 20 المُتعّلق بتنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية، والذي قام بإعادة تنظيم القواعد القانونية الجزائية للجريمة المعلوماتية التي تضمنها المرسوم التشريعي رقم 17 للعام 2012 فجاء فيه على سبيل المثال:

– يُعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنة وغرامة من (1,000,000) ل.س مليون ليرة سورية إلى (2,000,000) ل.س مليوني ليرة سورية كل من قام بمعالجة صور ثابتة أو متحركة أو محادثات أو تسجيلات صوتية عائدة لأحد الناس بوسائل تقانة المعلومات لتصبح منافية للحشمة أو الحياء وقام بإرسالها له أو للغير أو عرضها عليه أو على الغير أو هدد بنشرها عن طريق الشبكة، وتُشدّد العقوبة لتصبح الحبس من سنة إلى سنتين وغرامة من (2,000,000) ل.س مليوني ليرة سورية إلى (3,000,000) ل.س ثلاثة ملايين ليرة سورية إذا قام الفاعل بنشرها على الشبكة.

– كما جاء فيه أيضاً بأنه يُعاقب بالحبس من سنتين إلى ثلاث سنوات وغرامة من (3,000,000) ل.س ثلاثة ملايين ليرة سورية إلى (4,000,000) أربعة ملايين ليرة سورية كل من هدد بالنشر أو نشر على الشبكة صوراً ثابتة أو متحركة أو محادثات أو تسجيلات صوتية منافية للحشمة أو الحياء عائدة لأحد الناس ولو حصل عليها برضاه، وتشدد العقوبة لتصبح السجن المؤقت من خمس سنوات إلى سبع سنوات وغرامة من (4,000,000) أربعة ملايين ليرة سورية إلى (5,000,000) ل.س خمسة ملايين ليرة سورية إذا وقع الجرم على قاصر.

وأوضحَ المحامي (الدّاية) أنّه يمكن اللجوء للقانون في حال التعرض لأي نوع من أنواع الابتزاز الالكتروني ومهما كانت غايته أو مهما كانت وسيلته، وهو أمر غير مكلف مادياً، وكل المطلوب تقديم معروض يسير بشكل تلقائي وسلس ويُحال إلى الجهات صاحبة الاختصاص والتي تمتلك الخبرات والأدوات اللازمة للكشف عن هوية الشخص، لاسيما أن معظم عمليات الابتزاز تمارس من وراء الشاشات وعن طريق حسابات وهميّة لا يملك أصحابها هويّة واضحة أو حقيقية.

ولا تختلف طرق اللجوء إلى القانون بحسب المحامي (الدّاية) في حال كان الاعتداء أو الابتزاز على قاصر، ولكنّ القانون يُميّز الأمر من ناحية العقوبة فتُشدّد العقوبات على الفاعل الذي اقترف جريمته بحق قاصر. وترتفع الغرامة وتزيد عدد سنوات السجن.

أخيراً، وفيما يتعلق بالابتزاز الإلكتروني وبما أنها باتت جرائم مقترفة بعدد لا بأس به. وربما إذا طالعنا مصدر قضائي مختص بعدد الشكاوى والدعاوى لوجدنا أنها بازدياد ولعلّها نتيجة حتمية لتوسع انتشار مواقع التواصل والإنترنت بشكل عام إضافةً إلى العديد من الأسباب الأخرى. لذلك نحن دوماً ندعو للجوء إلى القانون للحماية وتحصيل الحقوق لا سيما أننا نمتلك نصوصاً قانونيّة تُعدل بين الفترة والأخرى لتواكب تطور وسائل ارتكاب هذه الجرائم. كما أننا بحاجة ماسّة لمراقبة وتعديل هذه القوانين باستمرار من أجل تحقيق أكبر قدر من المواكبة القادرة بالتالي على محاصرة هذه الأنواع من الجرائم.

العدد 1105 - 01/5/2024