الطلاق في مجتمع محافظ وصمة عار

ريم داوود:

تعتبر ظاهرة العنف ضدّ المرأة ظاهرة عالمية تعاني منها كل المجتمعات وخاصة العربية، وقد شهدت هذه الظاهرة ارتفاعاً واضحاً في نسبتها نتيجة عدم الاستقرار الأمني والنزاعات التي تعانيها الدول.

وممّا لاشكّ فيه هو أن وتيرة العنف تزداد في ظلّ الأزمات، فتكون للنساء الحصّة الأكبر والأوفر منه لأن المرأة مستضعفة قانونياً واجتماعياً.

تتحمّل النساء الشرقيات العنف الممارس تجاههن طويلاً وبصمت، مُتردّدات في طلب العون والمعونة، ربما لأنهن على يقين تام بعدم وجود قانون مجتمعي واضح يحول دون هذا العنف، أو نتيجة للخوف المتجذّر في نفوسهن بسبب الموروثات الثقافية والاجتماعية التي تعزّز مظاهر العنف القائم على النوع الاجتماعي.

ولأن هذا الشهر خُصِّص لمناهضة كل أشكال العنف الممارس تجاه المرأة، دعونا نُسلّط الضوء على عدد من هذه الممارسات التي يؤجّجها العنف الأسري.

  • الطلاق:

يعتبر الطلاق واحداً من النتائج الأساسية للعنف الأسري، وأحد أعراضه الخطيرة التي تُنبئ بمجتمع هش، فاقد للوعي والمسؤولية، مجتمع غير متماسك تكثر فيه الجرائم والجنايات.

وكما ذكرنا أن ٨٠% من حالات الطلاق نتيجة العنف الأسري الممارس تجاه المرأة، علماً أنها تسعى جاهدةً للابتعاد عن اتخاذ هذا القرار، على الرغم من الأذى والعنف الذي يطولها، وذلك حرصاً منها على الأطفال وخوفاً من المجتمع ووصمته.

وللأسف الشديد بتنا على يقين بأن الشاب عندما يبحث عن زوجته المستقبلية يسعى لتكون صورة مُصغّرة عن أمه التي تُسامح أخطاءه وسلوكياته الصبيانية، مُلبية طلباته واحتياجاته دون كلل أو ملل بدافع الأمومة البحت. أضف إلى ذلك النظرة والحكم المسبق الذي يحمله الرجل تجاه المرأة نتيجة الموروثات الثقافية المجتمعية.

كلها أسباب أنشأها الجهل ودفع بها اللاوعي لتكون حاضنة خصبة للعنف الأسري.

  • النساء المُطلّقات:

تواجه النساء المُطلّقات تحديات كبيرة تتجلّى في نظرة المجتمع القاتلة إليها، والتي تتسم بالعنف أيضاً، فعددٌ كبير من النساء يُفضّلن البقاء تحت رحمة العنف الزوجي على اتخاذ قرار الطلاق يقيناً منهن أن الآتي أعظم.

فما هي سمات المرأة المُطلّقة في المجتمع العربي:

-المُطلّقة سيّئة: توجّه أصابع الاتهام من قبل شريحة واسعة من المجتمع نحو السيدة المُطلّقة بأنها امرأة سيئة غير صالحة للزواج، ذات أخلاق وضيعة، مُحمّلين إياها المسؤولية الكاملة.

-المُطلّقة سهلة الإغواء: وهذه واحدة من الإزعاجات والإساءات التي تتعرّض لها المُطلّقة، إذ ينظر إليها الذكور على أنها سهلة المنال لإرضاء رغباتهم الجنسية.

-المُطلّقة خطيرة على المتزوجات: تعتقد الكثير من النساء أن السيدة المُطلّقة تبحث عن زوج أو عن علاقة مع رجل ما، الأمر الذي يدفع بها للوقوع في خانة الرفض أو النبذ الاجتماعي من الوسط المحيط خوفاً على أزواجهن!

-المُطلّقة يجب ألّا تبقى مُطلّقة: نجد إصراراً كبيراً من العائلات ترغم المُطلّقة على الزواج مرة ثانية بهدف (السُّترة) كما يُطلق عليها بالعامية اعتقاداً منهم أنها لا حقّ لها بالرفض أو القبول.

وتعود أسباب هذه السلوكيات السلبية والعنيفة تجاه المرأة لعدّة عوامل تتلخّص في:

_الموروث الثقافي: الذي يلعب الدور الأكبر في قيم الغالبية ومعتقداتها التي تتناقلها الأجيال باللاوعي دون التفكير بشكل إيجابي أو خارج الصندوق.

_النزعة الذكورية: ممّا لاشكّ فيه أننا نحارب وبشدّة للقضاء على العنصرية الذكورية ضمن المجتمعات الشرقية، لكننا وللأسف قابعون في مستنقع من الجهل يدفع بالمرأة للدفاع عن الوجود الذكوري أكثر من الذكور أنفسهم!

_الصراع الدائم والهادف لاستقلال المرأة: إن المجتمع الشرقي بشقيّه الذكوري والأنثوي يخشى استقلال المرأة، وهذا يعود للموروث الثقافي الذي أشبع أفكار مجتمع كامل بأن المرأة تحتاج إلى (سند، قوّام، معيل…) وهذا ما يثير الرعب من فكرة المُطلّقة عند بعض الزوجات المُعنّفات.

وفي الختام علينا أن نؤكّد أن العنف سلوك رجعي يعبر عن ثقافة صاحبه ووعيه، فكيف الحال إن كان هذا السلوك ناجماً عن مجتمع بعينه؟ ماذا نستطيع أمام فكر وثقافة لاتزال ترى أن  النساء ناقصات عقل؟ كيف لنا أن نسير ونركب أمواج الحضارة ما دمنا حتى اليوم لا نعترف بقدرة المرأة ووجودها وحضورها؟

ولكي نساهم بجزء ولو بسيط في دعم النساء والفتيات، علينا أولاً:

مناهضة كل أشكال العنف وتوحيد الجهود المجتمعية للحفاظ على حقوقهن.

تفعيل دور المؤسّسات الحكومية وغير الحكومية التي تُعنى بنشر الوعي والثقافة وحماية المرأة من أي اعتداء.

نشر الوعي اللازم حول مفهوم التربية الصحيح والقائم على المساواة ورفض التمييز بين الجنسين.

العدد 1105 - 01/5/2024