حكم لا ذنب لها فيه

وعد حسون نصر:

العنوسة.. تلك الكلمة التي تشبه أداة حادة تسقط على مسامع المتلقية، وكأنها حكمٌ أو صكّ أبدي وصِمَتْ به.

تختلف العنوسة من مجتمع إلى آخر حسب نظرته إلى عمر الزواج، ففي بعض المجتمعات الريفية يكون السن المناسب للزواج منذ بلوغ الفتاة، وما إن تصبح بعمر العشرين عاماً وما بعد حتى تبدأ فرص الزواج لديها بالتلاشي، وهنا تصبح نظرة المجتمع قاسية نحوها، والخيارات محدودة: إمّا رجل مُسنّ، أو رجل توفيت زوجته ولديه أبناء، أو ربما تكون هي الزوجة الثالثة أو الرابعة، أو عروساً  لرجل ذي إعاقة جسدية أو نفسية وعقلية، وهنا تتغير نظرتها إلى نفسها وتصبح مختلفة، إذ تبدأ ترى في شخصيتها أنها تلك الفتاة ذات الحظ السيئ، كما تدغدغ الوساوس أفكارها لدرجة أنها ترى النقص في شخصيتها وقلّة جمالها، وبعضهن يصاب بالإحباط، خاصةً أن جميع من حولهن تزوجن وأنجبن أطفالاً وهن مازلن ينتظرن قدرهن. لذلك وبمجرد أن يطرق الباب أي عريس فسوف ترضى الفتاة به ولا تنظر إلى صفاته، المهم أن لا يفوتها القطار وتوصم بالعنوسة، حتى الأهل وخاصةً الأم يصبح همّها الوحيد هو رحلة البحث عن الرجل الذي سيكون الستر لابنتها، هذا المُخلّص للعائلة من شبح العنوسة، وهنا تبدأ مهمة الأم بعرض ابنتها في المناسبات والأعراس، وتأمرها بتقديم الضيافة والجلوس أمام نساء الحي في الجلسات لكي يروها حتى تتجنّب العنوسة قدر المستطاع أن يفوت الأوان وتطول فترة المكوث والانتظار لقدوم العريس المُخلّص.

فبالرغم من كل التقدم والتطور الذي حقّقه المجتمع وحقّقته الكثير من النساء، وبالرغم من التقدم الذي نسعى إليه، لكن مازالت نظرة المجتمع الشرقي إلى الأنثى غير المتزوجة نظرة قاسية، وعلى الرغم من أننا نرى الكثير من الفتيات تصالحن مع ذواتهن بشأن هذا الأمر، فكلّ منهنّ قادرة على النهوض بمفردها، وأنها  شخص كامل لا تحتاج إلى رجل، ما دامت قد أتمّت تعليمها وحصلت على شهادة علمية وشهادة خبرة ودخلت مجال العمل واستقلت مادياً، والكثيرات امتلكن منزلاً وسيارة، كذلك كنَّ معيلات لأسرة كاملة، على الرغم من كل هذا التصالح مع الذات وهذه الإنجازات الرائعة، يبقى هناك أشخاص يصرّون على تذكير أولئك النساء بأنه ينقصهن الرجل، والطفل الذي سيكون معيلهن في سنوات الكبر وخير من يدير ما تركوه من ميراث، هذا الشيء بالطبع وكما قلت عائد لنظرة مجتمعنا الشرقي إلى الفتاة المتقدمة في العمر وغير المتزوجة. لم يقتصر الأمر عند بعض المجتمعات على نظرتهم إلى الفتاة المتقدمة بالعمر على أنها عبء على أهلها وهي تحت مسمّى عانس، إذ يرى البعض أنها تعاني من سحر وتحتاج إلى فكّ هذا البلاء عنها حتى تصبح مرغوبة للرجال ليتقدموا لخطبتها. للأسف هذا المفهوم موجود عند معظم المجتمعات الشرقية حتى الآن، ولنتخلّص من مفهومنا المنقوص لذواتنا نحن النساء وخاصةً لتلك التي لم يحالفها الحظ في أن تصبح سيدة متزوجة، علينا أن ندرك أننا شخص كامل ما دمنا ندرس ونعمل ونقدم ونستطيع أن نعيل أسرة، فنحن لسنا بحاجة إلى رجل ولا حتى إلى وصي، نحن لسنا عوانس لعدم وجود رجل في حياتنا، نحن فقط تقدمنا بالعمر وما زلنا نعطي، وعطاؤنا مستمر بوجود رجل أو عدم وجوده.

العدد 1105 - 01/5/2024