في مجتمع يحكمه العنف.. من يحمي النساء؟!

حسين خليفة:

تحفل مجتمعاتنا بأشكال العنف ضدّ النساء، وهي عديدة ومتشعبة وتحتاج إلى أبحاث ومختصين بهذا المجال، لكننا في مادة صحفية كهذه يمكننا أن نشير، بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، 25 تشرين الثاني (نوفمبر)، إلى ما نصادفه في حياتنا اليومية مثلاً من مظاهر هذا العنف، سواء في الكلام أو في الممارسة.

في موروثنا المجتمعي والديني عشرات الإشارات إلى دونية المرأة وتمييزها عن الرجل، فهن (ناقصات عقل ودين) و(خُلقن من ضلع قاصر للرجل) وشهادة المرأة بنصف شهادة الرجل وكذا ميراثها، وولي أمرها رجل يتحكّم بمصيرها ولباسها ودراستها وعملها.

إذاً، الموضوع يتكئ على إرث ثقيل لا يمكن إزاحته بسهولة، سواء بالبيانات أو بالمقالات أو بالتشريعات والقوانين أيضاً للأسف.

اليوم، نشرت إحدى الصديقات على صفحتها على الفيسبوك فيديو عن عطف الأطفال الصغار على أخواتهم الطفلات بتغطية ركبتها حالما تنزاح التنورة عنها، أو بإعادة خيط القميص حالما انزاح عن الكتف، معلقة على الموضوع بأنه مثال على التربية السليمة التي تبدأ من الطفولة، وكانت التعليقات كلها تثني على هذه التربية واللطف والحساسية بين الإخوة.

طبعاً لم يقل أحدٌ منهم بأن هذا يكرِّس العقلية الذكورية في إصرار الذكور، وهم في مطالع أعمارهم، على تغطية ما يعتبرونه (عورات) أخواتهم، ولعب دور الحارس على الفضيلة عندهن، فيما لم تقم طفلة واحدة بتصرف مشابه مع الأطفال الذكور!!

طبعاً كان تعليقي مستهجَناً من الكثيرين، فقد كتبت: إن هذا السلوك لا يعود إلى الأخلاق بقدر ما يؤكد التربية الذكورية منذ نعومة أظفارنا، بأننا مسؤولون عن تربية النساء وتقويم سلوكهن!

وكما أسلفنا فإنه حتى في مجتمعات تحكمها دساتير علمانية، هناك أشكال من العنف ضدّ المرأة مردّها إلى هذا الميراث الثقيل، وإن كانت بدرجة أقل من المجتمعات المتخلفة التي تنسجم فيها الدولة مع المجتمع في تبني القوانين الجائرة بحق المرأة، والتي مصدرها الأعراف الاجتماعية والتشريعات الدينية.

يصنَّف العنف ضد المرأة ضمن أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويعنى به الأفعال الموجّهة ضدّ فرد أو مجموعة من الأفراد على أساس النوع الاجتماعي، وهو عنف نرى جذوره في عدم المساواة المبنية على النوع الاجتماعي وإساءة استخدام السلطة والأعراف القديمة. وهو يمكن أن يؤدي إلى أذى أو معاناة جسدية أو جنسية أو عقلية للنساء والفتيات.

وقد نصّ الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة الذي أصدرته الأمم المتحدة على أن: (العنف ضدّ المرأة هو مظهر من مظاهر علاقات القوة غير المتكافئة تاريخياً بين الرجال والنساء)، و(العنف ضدّ المرأة هو إحدى الآليات الاجتماعية الحاسمة التي تضطر المرأة بموجبها إلى الخضوع بالمقارنة مع الرجل).

تبدأ أشكال العنف من العنف المنزلي أو عنف الشريك، وهو يتضمن أي سلوك يهدف إلى اكتساب أو الحفاظ على السلطة والسيطرة على الشريك/ة بما فيها الأفعال الجسدية أو الجنسية أو العاطفية أو الاقتصادية أو النفسية التي تؤثر على الشريك.

الأفعال الجسدية أو الجنسية التي تدخل في نطاق العنف المنزلي معروفة لأنها أكثر أشكال العنف وضوحا وآثارها تظهر بشكل محسوس غالباً على الضحية، وقد يصل إلى قتل الأنثى بذرائع العفاف (جرائم الشرف) أو بسبب تمرّدها عليه وعلى تحكّمه بها.

والعنف الجنسي يشمل طيفاً واسعاً من الممارسات الجنسية بالإكراه (الاغتصاب الزوجي أو خارج الزواج) أو باستغلال حالة الأنثى كالممارسات مع الطفلات أو اللواتي يعانين من إعاقات ذهنية أو جسدية أو في حالة سكر أو تخدير أو غيرها، وهي تعتبر عنفاً لأن الضحية لا يد لها ولا خيار فيما حصل.

طبعاً يُدرج ضمن هذا النطاق من العنف ضدّ النساء: التحرش الجنسي، وتزويج الصغيرات، والعنف الرقمي (عبر الإنترنت).

أما الأفعال الاقتصادية منها فهي تعني ربط المرأة بك عن طريق جعلها معتمدة عليك مالياً بالكامل بالسيطرة على جميع الموارد المالية ومنع فرص التمويل الذاتي عنها، سواء بالعمل أو بأخذ حصصها من موارد الأرض أو سواها.

أما العنف العاطفي فيعني الحطّ من قيمتها من خلال النقد المستمر والسخرية للتقليل من شأنها والاستهانة بقدراتها، والإساءات اللفظية لها، والتأثير على علاقتها بالأطفال أو عزلها عن المحيط. وهذا ما يؤدي بالتأكيد إلى العنف النفسي الذي يضع المرأة ضمن دائرة الخوف بترهيبها والتهديد بإيذائها أو منعها من الدراسة أو العمل.

في الحالة السورية وقد تغلغل العنف في أعماق المجتمع بعد حرب ضروس، وأصبحت ألعاب الأطفال حروباً ومجازر كما شهدوها أو شاهدوها، يزداد منسوب العنف الموجّه للنساء ويضاف إلى ما كان سائداً أساساً قبل الحرب.

قبل الحرب كان تزويج الصغيرات مثلاً يجري علناً وفي المحاكم الشرعية، الآن بعد الهجرات المليونية والبؤس الذي عاشه الهاربون من الجحيم، جرى تحويل الأمر إلى تجارة، فقد اضطرّ كثيرون إلى (بيع) بناتهم الصغيرات إلى ذئاب بشرية لا تلبث أن تبحث عن فريسة أخرى بعد اغتصاب الأولى، والسبب طبعاً هو الحاجة المادية وضيق العيش في المخيمات وتكاليف الحياة الباهظة خارجها.
الآن يجري الأمر نفسه في القسم الذي أطلق البعض عليه (سورية المفيدة) حيث ابتلع التضخم الصاروخي كل شيء، وأصبحت العائلات الفقيرة تتخلّص من بناتها بأسرع وقت ممكن ولو ببيعهن إلى تاجر حرب أو (معفّش)، أو لص (محترم) استفاد من الفلتان الحاصل بحماية متنفذين معروفين، وحقق ثروة يشتري بها الناس.

حالات الطلاق التي زادت بنسب كبيرة أيضاً تشهد على ازدياد العنف المنزلي بأشكاله كافة، وهو نتاج طبيعي للبؤس المُعمّم الذي يعيشه السوريون، في ظل تدهور مريع في الاقتصاد وقيمة العملة الوطنية وتجميد للدخول عند حدود عشرين دولاراً شهرياً، دون أي حساب لحياة الناس ومعيشتهم؟!

الرجل مخنوق ومُستَعْبَد وصامت خوفاً في الحالة السورية الراهنة، وحالما يعود إلى المنزل يُفرّغ كل ما خزنه من قهر وعنف في أسرته (الزوجة والبنات خصوصاً لأنهن الطرف الأضعف في الحلقة)، فتكون المرأة السورية قد نالت (الحُسنَيَيْن): قهر الحكّام وإفقارهم ونهب شركائهم الفاسدين وتجويع الناس، إضافة إلى ظلم الزوج أو الأب أو الأخ وقهرهم.

إن أي حل لوضع النساء في الوضع السوري لا ينفصل عن الحل السياسي الشامل كبداية، حتى تستطيع المرأة أن تدخل في تفاصيل وضعها وتخفيف معاناتها من العنف بأشكاله كافةً.

وهو ما يستلزم حلّاً سياسياً قائماً على الحوار على قاعدة القرارات الدولية، وخصوصا القرار 2254، من أجل الوصول إلى سورية جديدة ديمقراطية علمانية تحترم حقوق الإنسان، وبضمنها طبعاً حقوق النساء.

 

العدد 1105 - 01/5/2024