ذنبها أنّها امرأة

نور سليمان:

تعتبرُ مدرسةُ العنفِ من المدارسِ التي تمارسُ مناهجها على المرأة منذُ ولادتها حتى الموت، هذا إن كنّا نتحدثُ عن امرأةٍ واحدةٍ داخلَ أسرةٍ، إذاً كيف يكونُ حالُ النّساء في مجتمعاتنا العربيّة؟!

المرأةُ منذ الأزل حتّى يومنا هذا تعامَلُ المعاملةَ ذاتها التي كانَت أيّام الجاهليّة ولكن باختلاف الأفكار، ففي الماضي كانَت توأدُ فقط لأنها ولدت أنثى، أمّا اليوم فأفكارها وحرّيتها توأدُ بطريقةٍ ظالمةٍ، فالبعضُ ما زال يعتبرها قاصراً ويجبُ التحكّم بها، وتسيِير أمورها وقراراتها، فهي تخرجُ من ظلّ الأب إلى ظلّ الزّوج دونَ وجودِ قانون عادل يكفلُ حقوقها، بالرّغم من وجود العديد من المنظمات والنّاشطين الذين يطالبون على الدّوام بحقوقِ المرأةِ وحمايتها من العنف الذي يُمارَس عليها.

لم تنحصر محاربةُ العنف في يومٍ واحدٍ فقط، بل شملَت 16 يوماً كلّ عام بدءاً من 25 تشرين الثاني (نوفمبر) وهو اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، حتى 10 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، وهي حملةٌ عالميّة للقضاءِ على العنفِ ضدّ النّساء والفتيات، والتّوعية لمحاربتهِ، في ظلّ انعدامِ الأمن في المنازل والشّوارع. ومع وجودِ الحركة النّسوية وتطوّرها إلاّ أنّها ما زالت تحاربُ وتؤخَذُ أفكارها باتجاهٍ ساخر، فالنّساء يحتجنَ إلى مجال خالٍ من التّهديد والتّشهير والإقصاء، مجال يدعم التّمكين والعمل وليس الخوف والتّرهيب.

*حال النّساء السّوريّات في ظلّ الحملةِ والواقع المرير:

لم تسلَم النّساء السّوريّات من عنفِ الحربِ طوال السّنوات العشر وأكثر، فقد استمرّت المأساة والمعَاناة برمي ثقلها على كواهلهنّ، فمرارةُ العيش في المخيّمات وتحت القصف وخلال التّهجير القاسي جعلت المرأة السّوريّة تفقدُ الكثير من قوتها وصحتها، وفي أغلبِ الأحيان حياتها.

وعن العنفِ المنزليّ لدينا يوميّاً حالات عديدة تُظهرُ الجهلَ القائم على العادات والتقاليد، والأفكار المجتمعيّة البالية، وأهمها القضيّة التي هزّت الشارع والرأي العام منذ فترة، وهي مقتلُ (آيات الرفاعي) التي تصدّر اسمها مواقع التواصل الاجتماعيّ على يد زوجها ليلة رأس السّنة بعد تعذيبها. فقد كانت الرواية التي تحدّثت عن حالِ آيات عندما نشر حساب النّسوية السّورية على تويتر تفاصيل حياتها نقلاً عن إحدى جارات الضّحية، التي قالت: (الصبية كانت خادمة للعائلة، من تنظيف البيت والغسيل والجلي والطبخ وكب الزبالة للوقفة على دور الخبز وهي حامل). وأضافت: (على طول بتاكل قتل(تضرب بشدة) من حماتها وزوجها وابن سلفتها، وحرمانها من زيارة أهلها إلاّ نادراً لأن زوجها ما بيخليها تأخذ بنتها معها).

وعلى حد قول الجارة (بلش فيها زوجها الوحش يضربها متل العادة ويقلعها لعند أهلا وهي تبكي وتقول كرمال الله لا تتجوز عليّ! شو ما بدك بعملك بس لا تتجوز، ضل يضربها ويخبط رأسها بالحيط حتى استفرغت وغابت عن الوعي).

وذكرت الجارة أنّ (أهل الزوج تأخّروا في نقل آيات إلى المستشفى أكثر من ساعة ونصف حتى رتّبوا رواية كاذبة لمقتلها، وأنهم قدموا رشاً للمستشفى من أجل تسوية الوفاة وكأنها انتحار أو حادث عرضي، مع الإشارة إلى أن الزوج أُوقف يوماً واحداً وخرج كما لو أنّه لم يرتكب ذنباً).

وعلى صعيد الرّواية الرّسميّة صرّح المحامي العام الأول في دمشق، أديب المهايني، بأن السلطات الأمنية قبضت على المتورطين في جريمة قتل الشابة آيات الرفاعي.

وقال في تصريح لوسيلة إعلامية محلية: إن (تقرير الطّب الشّرعي أكّد أن آيات تعرّضت لاعتداء وحشي وعدّة ضربات على الرأس، ولم تضرب رأسها بالحائط كما ادعى زوجها وذووه لدى نقلها إلى المستشفى). وأضاف أنّه تم إلقاء القبض على الزوج ووالده ووالدته الذين اعترفوا بفعلتهم وأُحيلوا إلى القضاء.

ورغمَ مطالبة الجميع بإنزال أشدّ العقوبة بحقّ القتلى، ورغم ثقتنا بالقوانين التي تبخس حقّ المرأة في الحياة! صُدمنا بالقرار الذي صدرَ، فبحسبِ محكمة الجنايات في دمشق صدر الحكم بالسجن لمدة 7 سنوات بحق زوج الضحية ووالده بجرم التّسبب بالضّرب المفضي للموت. وتجريم أخ الزوج ووالدته بجرم الإيذاء المقصود بدلالة المادة 540 قانون عقوبات عام، والحكم على الأم بـ 6 أشهر، وعلى الأخ بسنة سجن والاكتفاء بمدة توقيفهما، والحكم قابل للطعن بطريق النقض!

فالقانون من وجهةِ نظرهِ أنصفَ آيات، لكن الزّوج لم يتعمّد ذلك من وجهة نظره تلك، وهذا ما سيجعلُ القاتل أينما كان على أهبةِ استعداد لتكرارِ فعله باختلاف الضّحية والمكان والزّمان، وتحتَ حمايةِ قانون لم ينصف المرأة.

لا شكّ أننا أمام واقع يفرض تعديل الكثير من القوانين التي تحمي كل من يمارس العنف بحق النساء.

العدد 1107 - 22/5/2024