لنُطلق العنان لنون القوة!

تهامة الدعبل:

شغلت المرأة وقضاياها الآراءَ منذ زمن طويل، وعلى الرغم من الشعارات الرنانة التي تنادي بوقف العنف ضدّ المرأة وعشق مجتمعنا لركوب موجة (التريند) إلاّ أنّ قضية آيات الرفاعي لم تكن كافية لينتفض الرأي العام لأجلها، والسؤال هنا: (إلى متى؟!).

لم يمضِ وقت طويل على إصدار الحكم بحق زوج الضحية آيات الرفاعي ووالده، وقد حُكِمَ عليهما بالسجن مدة سبع سنوات بتهمة القتل غير العمد، وكلنا نعلم أنّه حكم مجحفٌ ومهين بحقِّ المجتمع كله عموماً، والمرأة خصوصاً، وبحق العدالة نفسها، لا سيما أننا نقف هنا أمام أربع قضايا مجتمعة – وهي تسرّبها من المدرسة، وزواجها قاصراً، وتعنيفها، وقتلها –  وهذا كله كان يقتضي تشكيل لجنة استثنائية للحكم فيها حتى ولو اضطُرّ الأمر لتعديل بعض البنود القانونية لبتر هذا النوع من الجرائم إلى الأبد. غير أنّ الخبر مرّ مرور الكرام، ولم يحرّك أحدٌ منا ساكناً.

والمُضحِك المبكي أنّه في اليوم ذاته قد صدر في الأردن حكم الإعدام بحق قاتل الشّابة سلمى بهجت، ولا أعلم إن كانت المرأة في الأردن أغلى وأعلى مكانة وقدراً منها في سورية، أم أنّ القتل في سورية معتاد أكثر، فيُقتَل المرء كأنما تُقتَل دجاجة.

كذلك، ومنذ مدة ليست بالبعيدة أُسعِفَت فتاة إلى مشفى المواساة مصابة بكسور في الوجه بسبب ضرب والدها لها، وغيرها قضايا كثيرة لم يتحرّك الرأي العام لأجلها، في حين أنّ عودة شيرين عبد الوهاب إلى زوجها قد شغلت الوطن العربي برمته.

وإن كان لـ (التريند) معنى فلا بدّ لقضية آيات أن تكون الشعلة المؤجّجة للضجة الأكبر، فأيٌّ منّا مُعرّضةٌ أن تكون مكانها يوماً، وفي كل يوم هناك مئات مثل (آية) اللواتي لا نسمع عنهنّ، وستبقى الحصيلة بازدياد ما لم تُطبّق قوانين رادعة توقف هذه المهزلة.

واعذروني، لكننا لن نلعن الرجل والمجتمع والعادات هذه المرة، على الرغم من المسؤولية الكبيرة الواقعة عليهم، في حين أنّ الأنثى تتلقّى الصفعة تلو الأخرى، ولا نسمع سوى: (صحيح هو بيضربني.. بس حنون!).

لا أعلم ما هو مفهوم الحنان لدى شخص يستطيع أن يضرب أحداً أيّاً كان، فماذا لو كانت أخته أو زوجته أو ابنته؟ ولا أعلم أي حنان سيعوّض كرامةً سُلِبَت مع كلِّ صفعة.

فإن كنتِ أنتِ عزيزتي الأنثى راضية بالضرب والإهانة، وترين حقوقك تُسلَب منك واحداً تلو الآخر دون أن تحرّكي ساكناً، فلمَ سنلعن الرجل إذاً؟!

انتزعي حقّك بيدك ولا تنتظري أن يقدمه لك أحد، انتزعيه بعلمك وعملك وجدّك، فلا أحد يطالب أو يُقدّم حقّاً لم يطلبه صاحبه.

والمسؤولية الأكبر هنا تقع على عاتق المجتمع النسائي كلِّه قبل المجتمع أو القوانين أو المنظمات التأهيلية وغيره، ولا أقصد بالمجتمع النسائي (النسويات) فقط؛ بل كل أنثى تجلس في منزلها الآن وتُقنع والديها بأن تترك دراستها وتتزوج بفتى أحلامها، وكل امرأة تُعنّف يومياً ولا تُحرّك ساكناً، بل كل أنثى سواء أكانت مُعنّفة أم لا، فهي معنية بهذا الأمر، فقد بلغ السيل الزبى وآن الأوان لانتفاضةٍ نسائيةٍ تضع حداً لهذه المهزلة، وتُحرّض على سنِّ قوانين أكثر إنصافاً.

ومن الضروري التأكيد على دور الوسائل الإعلامية والأعمال الدرامية في تغيير القوانين، فالسلطة الرابعة (الإعلام) لا يكفي أن تُجسِّد الواقع وتنقله دون أن تسعى لتغييره، وفي دول كثيرة كان للأعمال الدرامية دور مهم في تغيير الدساتير ووضع قوانين جديدة أكثر عدلاً، ففي مصر مثلاً نجحت 3 أفلام في تعديل الدساتير، كفيلم (فاتن أمل حربي)، و(جعلوني مجرماً)، و(كلمة شرف)، وكذلك عالمياً كفيلم Rosetta الذي صدر على أثره قانون يحظر تشغيل المراهقين بأقلّ من الحد الأدنى للأجور، ولا بدّ لهذا الإعلام الهادف أن ينتقل إلينا، فنحن كذلك بحاجته.

لا شيء مستحيل حين ندافع عن قضيتنا دفاعاً حقيقياً، كفانا شعارات رنّانة تضيع هباءً منثوراً مع الرياح، وأطلقنَ العنان لنون القوّة.

العدد 1107 - 22/5/2024