والأذن تعشق قبل العين أحياناً

ريم داوود:

إنها إشراقة الصباح، موسيقا فيروز، تغريدة العصفور، فنجان القهوة، وسحب تملأ الأفق يكاد بياضها يتماهى مع زرقة السماء.

هدوء يخطف القلوب ويدفع بنا إلى عالم من السحر والجمال نكاد من خلاله ننسى مآسي الحياة.

مشهد لن يستمر طويلاً فصخب المولّدات، وعجلات الدراجات النارية وزحمة السيارات تحول دون هذا الجمال.

فوجئت أثناء تحضيري لملف العدد الجديد بأن هناك يوماً عالمياً للتراث السمعي والبصري، يُحتفل فيه بتاريخ ٢٧ تشرين الأول من كل عام، يهدف هذا الاحتفال إلى اكتشاف التراث واستحضاره بغية الحفاظ على ما نمتلكه من تسجيلات سمعية وبصرية من التلف والإهمال، لم يسبق لي أن قرأت سابقاً عن هذا التاريخ، لذلك كانت خبرة ممتعة أضافت إلى مخزوني الجديد والفريد من المعلومات، انطلقت من خلالها للحديث عن معاناتنا وما آلت إليه أحوالنا نتيجة التلوّث البصري السمعي الحاصل.

  • الإدراك في شقيه البصري والسمعي:

يُعرّف الإدراك بأنه عملية عقلية يتم من خلالها تفسير وتأويل المثيرات الخارجية كالأشكال والأصوات على نحو يمكن فهمها للخروج بتصوّر أو حكم لها، فالإدراك البصري هو تفسير المعلومات المنقولة عن طريق العين، أما الإدراك السمعي فهو تفسير ما يتم استقباله عن طريق الأذن، ووفقاً لهذه التعريفات البسيطة لآلية عمل الإدراك البشري لا يسعنا سوى أن ننتقل للحديث عن مشكلة ملحّة ومؤذية هي التلوّث البصري السمعي.

يعاني المجتمع السوري تلوّثاً بصرياً وسمعياً فاق الوصف والتوقعات لدرجة أنه وصل إلى حدَّ الإساءة الجسدية والنفسية، كيف لا وشوارع المدن تُغمَر بالأوساخ، حدائق غير منظّمة وأعشاب تآكلت وهلكت، فضلاً عن ضجيج الموّلدات الذي بات بحدِّ ذاته آفة مجتمعية.

إننا اليوم نسعى كمواطنين للتطور والتقدم راغبين بمواصلة المسير، حاملين الأمل والتفاؤل راغبين بالحياة الرغيدة لنا ولأبنائنا تماماً كما يرغب بها أي إنسان آخر.

  • الآثار السلبية للتلوّث السمعي البصري:

يؤدي هذا النوع من التلوّث إلى مشكلات عديدة أشدّها على الصعيد النفسي والجسدي، ذلك أن أي تشوّه يصادفه الإنسان بالمظهر العام يبعث في داخله الانزعاج وعدم الراحة، كذلك هو الحال بالنسبة للضجيج والصخب الدائم الذي يدفع بنا للتوتّر والأرق. ومن أمثلة هذا التلوّث: المهملات والأوساخ، إهمال التخطيط العمراني بما فيها الأبنية العشوائية وانعدام التناسق والتناغم البنائي، التصاميم البالية والرديئة للأبنية السكنية، ضجيج الآلات والموّلدات الكهربائية، ضجيج موتورات الماء، كثرة الباعة المنتشرين على الأرصفة، إهمال مخلّفات السيارات البالية المعطلة …إلخ.

  • التوصيات والحلول:

وفقاً لما أثبتته بعض الدراسات النفسية فإن آثار التلوّث البصري السمعي على نفسية العديد من الأشخاص قد تصل إلى حدِّ القلق المفرط، وتتجلّى آثاره جسدياً من خلال آلام المفاصل، القلب، السكري، وضيق التنفس، يوصي الأطباء النفسيون هؤلاء الأفراد بالهروب نحو الأرياف خصوصاً أيام العطل بهدف الحصول على قسط من الراحة.

لكن يبقى الحل الأمثل لهذه المشكلات هو التكامل الجماعي بين المواطن والحكومة بهدف تنظيم المدن والتّخفيف من حدّة هذه الآفة.

العدد 1105 - 01/5/2024