قلّة الوعي وغياب المسؤوليّة سبب مهم في تلوّث الهويّة الجماليّة

نور سليمان:

يعدّ التّلوّث الضّوضائي والبصري مشكلة متنامِية في أغلب دول العالم، وأكثر الأنواع الشّائعة والمنتشِرة التي لها تأثير سلبيّ وخطير على المجتمع والبيئة، بالتّزامنِ مع قلّة الوعي البيئيّة والعمرانيّة، وغياب الشّعور بالمسؤوليّة، فعند النّظر والتّدقيق لفي البيئة العمرانيّة للبلد تتلخّص لدينا الهويّة الثقافيّة والحضاريّة والاجتماعية للوهلةِ الأولى لساكنِيها.

ما هي التّأثيرات الصّحية المحددة، وما حجم مشكلة التلوث الضوضائي مقارنةً بتلوث الهواء، على سبيل المثال؟

الضّوضاء أكثر من مجرّد مصدر إزعاجٍ عند مستويات وفترات معيّنة من التّعرض لها، إذ يمكن أن يتسبّب التّعرّض طويل المدى والمفرط للضّوضاء في مجموعة متنوعة من الآثار الصّحية بما في ذلك الانزعاج واضطراب النوم والآثار السلبيّة على القلب والأوعية الدموية ونظام التمثيل الغذائي، فضلاً عن ضعف الإدراك لدى الأطفال، كما يؤدي إلى فقدان السّمع المؤقّت أو الدّائم، المعروف بفقدان السّمع الناجم عن الضوضاء. قد يعاني الأطفال الذين يعيشون في مناطق ذات مستويات عالية من التّلوث الضّوضائي من الإجهاد ومشاكل أخرى، مثل: ضعف الذاكرة ومدى الانتباه. لذلك فإنّ التّحكّم في هذه الظّاهرة المؤذية مهمّ في مكانِ العمل والمجتمع.

كثير من النّاس لا يدركون أنّ التّلوث الضّوضائي مشكلة مهمة تؤثّر على صحة الإنسان، ويبدو أنّ لها تأثيراً أكبر على المؤشّرات المُتعلّقة بنوعية الحياة والصحة العقلية. ففي الواقع ووفقاً لبعض نتائج منظمة الصّحة العالمية (WHO) تُعدُّ الضّوضاء ثاني أكبر سبب بيئي للمشاكل الصحية، بعد تأثير تلوّث الهواء.

أمّا عن التّلوث البصريّ فهو من أهم الأخطار على العين البشرية، وأحد المفاهيم التي تصف تشوّه البيئة، وما تتعرّض له من تدهورٍ، لما فيهِ من مناظر ومشاهد سلبيّة غير مرغوب فيها، وهي تؤثّر بشكل سلبي على طبيعة منطقة معينة وجمالها. ويتضمن اللافتات الإعلانيّة العشوائيّة، والاستخدام المبهر للأضواء والألوان، والأشكال، وصناديق القمامة التي تجمعُ حولها الحيوانات والحشرات، إضافة إلى أبراج الهاتف التي توجد في الشّوارع والإنشاءات والمباني قبيحة الشّكل وغيرها من المصادر الأخرى، التي تعتبر غير مناسبة وغير مقبولة بالنسبةِ للمجتمعِ، وهي تقلّل من الإحساس الجماليّ.

هناك أيضاً من يحوّل الجدران إلى لوحة فنيّة عبثيّة تشوّه المكان، يمكن تحديد ملامحها من خلال تنافر اللّون والشّكل، كما نجدُ صوراً ولصَاقات وذكريات غريبة على الجدران الأثريّة وغيرها، ما يجعلنا نقفُ أمامَ تشويهٍ مُتعمّد.

في سورية الأمر لا يختلفُ كثيراً، لكنّ الحرب التي عاثَت فسادًا قد أتت على ما تبقّى من الجمال الذي نتباهى بهِ منذ زمن، فالدّمار والخراب قد حوّلَ جميع الذّكريات الجميلة إلى محضِ صورة مطبوعةٍ بالذّاكرةِ، ونضيف إلى ذلك الجدرانُ الملطّخة بكلماتٍ تحملُ طابعاً سيّئاً، إضافةً إلى القمامةِ المرميةِ هنا وهناك، والتي لم نجد لها حلًا في بعضِ المناطق، ولا ننسى وجود الأوساخ في الحدائق التي يجبُ أن تجذبَ النّاظر لا أن تخيفه، وبشكلٍ أدقّ باتَت شوارعنا مرتعاً للقاذورات في ظلّ غياب الوعي والنّظافة والمحافظة على البيئة، كما أنّ لأصواتِ السيّارات والازدحام الأثر الأكبر للجلبة التي تحدثها، ففي كثير من الأحيان نرى إشارة المرور حمراء ورغم ذلك لا تهدأُ أبواقُ السيّارات التي تصدرُ أصواتاً لا خير فيها، سوى إثارة الإزعاج والبلبلة، وفي ظلّ انقطاع الكهرباء والماء، نسمعُ ضجيجَ مولّدات الكهرباء في جميع المناطق وعلى مدارِ اليوم ما يجعلُ الأمرَ غير مستحبّ ومثير للقلق دائماً، كما أنّه يجعلُ الأشخاص يتبادلون الأحاديث بصوتٍ عالٍ حتّى يصبحُ الأمرَ مثيراً للأعصابِ والقلقِ على الدّوام دون حلول تُرجى، وتدابير واقية سوى الوعود والشّعارات على الدّوام.

العدد 1105 - 01/5/2024