دفء الرُّوح.. وسند الأيام

إيناس ونوس:

فُطِرَ الإنسان على العلاقة مع الآخر، ولذا تمَّت تسميته كائناً اجتماعياً، وهذه العلاقة لها ما لها من الشُّروط كي تتحقَّق وتغدو متينةً وذات أثر، بغض النَّظر عن تسميتها سواء كانت علاقة قربى أو صداقة أو عاطفية أو أخوية أو أبوية أو حتى زمالة عمل.

أما عن الشُّروط الواجب توافرها فلربما يمكننا أن نصنِّفها كما يلي:

  • المصداقية والصِّدق في المشاعر وأسلوب التَّعامل.
  • المحبَّة غير المشروطة وغير المقرونة بهدف.
  • التَّعاون ومدّ يد العون للآخر.
  • الوفاء والإخلاص مهما تعرَّضت تلك العلاقة لعثراتٍ أو نكسات.

وفي حين تمَّ تناول بعض أشكال العلاقات في أماكن كثيرةٍ ومدى أهميتها في حياة الإنسان، وتمَّ التَّطرُّق لها بكلِّ تجلياتها، فإني أرغب هنا بتناول العلاقة الأخوية لما لها من جماليةٍ روحانيةٍ ولأهميتها اليوم تحديداً.

فأن تكون أخاً أو أختاً معناه أن للحياة لوناً لا يشبهه لون.

أن تكون لك أختٌ تحمل بعض صفات الأمِّ، فتحمل عنك أوجاعك وهمومك بغية إزالة عبئها عن كاهلك كي تبقى صامداً، تنثر الدِّفء في أوصالك حينما يمسُّك البرد والقهر، تمدُّ يدها في اللَّحظة ذاتها التي تبدأ فيها أنت بالسُّقوط، رافضةً أن تراك ضعيفاً منهكاً خائر القوى، ترسم على ملامحك الابتسامة التي تكفيك لأن تقاوم جشع الحياة وظلمها وضنك لياليها، وفي لحظةٍ تكون لك البنت التي أنجبتها روحك دونما تمهيدٍ مسبق، فتتعلَّم معها معاني الأمومة والأبوة الحقَّة، وفي وقتٍ آخر تكون لك النِّدُّ الذي لا يطاوعك في ضياعك، بل مرآتك ومرآة روحك حين تتعثَّر في ظلمات دروبك.

أن يكون لك أختٌ.. أصغر منك أو أكبر.. فكن على ثقةٍ بأنَّك من النَّاجين من قسوة الحياة وبأنَّك من الرَّابحين.

أن يكون لك أخٌ صلب العقل، بصيرته مُنارةٌ متفتِّحة، يشكِّل الدَّاعم الأبديَّ الذي لا ينهار ولا يلين، يكون بندهةٍ واحدةٍ معك وربَّما دون أن تنده ليقول لك أنا هنا، قلبه يتَّسع لكلِّ شغبك وتعبك وأخطائك، حضنه أوسع من الكون وأروع من شمس الرَّبيع، تشعر حينئذٍ أنك بأمان، وبمنأىً عن أهوال الحياة وأنيابها.

أن يكون لك أخٌ أصغر منك أو أكبر.. فأنت بمأمنٍ من غدرات الزَّمن.

الرَّابح الأكبر في هذه الأيام من يمتلك أخاً أو أختاً بكل ما للكلمة من معنى، فقد باتت الشُّرور كثيرةً لا تحصى، والطَّمع بعثر أشلاء أرواح البعض ونثرها في مهبِّ الرِّيح اعتماداً على الأنانية والرَّغبة بالامتلاك دون مشاركة الآخرين، فتحوَّلت أنبل العلاقات إلى أسوئها على الإطلاق، ولربَّما يتمُّ العمل على أن تغدو هي القاعدة العامَّة، تتغيَّر المعايير، وصار يُنظر إلى من حظي بأمٍّ أو أبٍ عرفا كيف يمتِّنا أواصر التَّرابط والحب بين الإخوة، وأصرّا على أن يبقى الإخوة في شتَّى المواقف والظُّروف يداً واحدة وقلباً واحداً وحضناً واحداً على أنَّه (الحلقة الأضعف)، إلَّا أن من يعمل على نشر هذا النَّوع من الثَّقافة المجتمعية والأسرية سيدرك حتماً بأنَّه مخطئ لا محالة، لأنَّه ما من دفءٍ أحنُّ من دفء حضن الأخت والأخ، ولا يوجد ما هو أصلب من أساس هذه العلاقة إن تأسسَّت على المحبَّة والصَّبر والحنان.

العدد 1104 - 24/4/2024