لم نمتلك بعد ثقافة اللاعنف

وعد حسون نصر:

يُعتبر الثاني من تشرين الأول من كل عام يوماً عالمياً للاعنف.

بداية ما هو اللاعنف: هو ممارسة شخصية لا يؤذي الفرد فيها ذاته ولا الآخرين تحت أي ظرف، وينبع ذلك من الاعتقاد بأن إيذاء الناس أو الحيوانات أو البيئة لا لزوم له لتحقيق النتيجة المرغوبة، ويشير إلى فلسفة عامة تقوم على الامتناع عن العنف على أساس المبادئ الأخلاقية والدينية والروحية، ويعتبر اللاعنف مفهوماً مركزياً في فلسفة جماعة السلام الأخضر، وهو مذكور في ميثاق السلام الأخضر العالمي، إذ يؤمن الخضر بأن على المجتمعات أن تنبذ النماذج الحالية من العنف وأن تعتنق العمل اللاعنفي.

تستند فلسفة الخضر كثيراً على أفكار غاندي وتقاليده.

فأين أطفالنا وأين النساء وأين المسنّون وأين التلاميذ وأين الموظفون وأين نحن جميعاً في المجتمع السوري وما موقعنا من مبادئ اللاعنف؟

للأسف، وبالرغم من كل محاولات المنظمات الإنسانية وبعض المعنيين في المجتمع المحلي  للحدّ من ظاهرة العنف ونشر مفهوم السلام في المجتمع، إلاّ أنها مازالت محدودة، بل أضحت شبه معدومة، فظاهرة العنف تزداد بين كل شرائح المجتمع وخاصة بين الأطفال، فمازلنا نلاحظ التمييز بينهم  في مدارسهم والذي ازداد بعد أزمتنا وما نجم عنها من ترسّخ مفاهيم عشائرية وطائفية، ونرى الضرب وسيلة الحوار بين التلاميذ أنفسهم، ولغة العقاب الوحيدة  بين المعلّم والتلميذ، وحتى داخل منازلنا العنف قائم، ولهجة التهكّم حاضرة بيننا وبين أطفالنا، والضرب لم تخلُ منه منازل بعضنا، كذلك الأمر داخل الهرم الوظيفي بين الموظفين أنفسهم، وبين الموظفين وأرباب العمل وبين الموظفين ورؤسائهم، مازالت المحسوبيات في الصدارة وسيدة المواقف. وفي السياسة هناك عنف وفرض رأي وهيمنة. وإذا تعمّقنا أكثر نجد الشخص مع ذاته غير متسامح وغير راضٍ، فما دام هناك نزاعات سياسية واجتماعية وصراعات داخلية لا اظن أننا (شعباً وسلطة) لدينا أي إلمام بمبدأ اللاعنف، وما دمنا نتكلّم بلغة الـ(أنا)، فنحن شعب لم يتخلّص بعد من التمييز وفرض الرأي، بالرغم من أن اللاعنف هو الحل لكل نزاعاتنا بطريقة سليمة إلاّ أننا مازلنا نستخدم السلطة والهيمنة والنفوذ في حل النزاعات، ولغتنا تتجه نحو العنصرية داخل المجتمع، فنحن محكومون بعادات وتقاليد بالية مفروضة علينا جميعاً، لذا لا يمكن أن نصل إلى السلمية في حلّ كل تلك النزاعات، فمجتمع مازال ينظر إلى المرأة أنها شخص ينقصه حماية ويحتاج إلى محرم وموافقة للعمل وللسفر وحتى للتعليم لأنها كائن محكوم من قبل الرجل وإن كان أصغر منها، فهو قوّام عليها! وشهادتها ناقصة فهي بحاجة إلى امرأة أخرى لتساوي شهادتاهما شهادة رجل واحد، لا يمكن أن نقول إننا تخلّصنا من العنف وارتقينا إلى اللاعنف، لذلك يجب تعزيز ثقافة اللاعنف من خلال نشاط المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان، عن طريق الندوات وجلسات التوعية بين النساء لتعريفهن عن حقوقهن ومساندتهن ليكنّ ذوات شأن، وخاصة في المجتمعات الريفية التي مازالت تنظر إلى المرأة على أنها ضلع قاصر، كذلك نشر الوعي  بين طلاب المدارس وحثّهم على ترسيخ لغة الحوار بينهم وبين زملائهم، أيضاً بين المعلمين والطلاب، وبين المعلمين وزملائهم في الكادر التدريسي، كذلك داخل المؤسسات يجب خلق روح التعاون والحوار والمنافسة الشريفة التي تعطي الطابع الإيجابي وتخلق روح العطاء ولغة التفاهم بين الكوادر الوظيفية.

وأخيراً علينا جميعاً داخل مجتمعنا السوري حصراً وبعد أزمتنا التي أفرزت شتّى أنواع العنف وألصقته بنا أن نعوّد أنفسنا على الحوار الايجابي بيننا وبين الآخرين، وبيننا وبين ذاتنا نفسها، كذلك علينا أن نتقبّل الآخر، ونسعى لحل نزاعاتنا بلغة الحوار، وأن نعلّم أبناءنا أن الآخر لا يختلف عنّا إلا بطيب أخلاقه وحُسن سلوكه، أن نعلمهم ألا يؤذوا الضعيف إنساناً كان أم حيواناً أم نباتاً، ولكي ينهض المجتمع يجب أن نهتم بصغاره فهم صفحة بيضاء مثلما نكتب عليها نقرأ، لذلك علينا أن نكتب كل جميل على هذه الصفحة، ولا أظن أن هناك عبارة أجمل من: لا للعنف،  نعم للغة الحوار، نعم للسلام، نعم للّاعنف.

العدد 1107 - 22/5/2024