موت معلن.. وأزمة ﻻ تجد حلولاً

ندى حبال:

توفي الشاب العشريني محمد حامد حمشو، منذ بضعة أيام، نتيجة وقوعه من أحد باصات النقل الداخلي ضمن مدينة دمشق، بعد إصراره على الصعود رغم امتلاء الباص بسبب الازدحام الشديد والانتظار الطويل.

هذه الحادثة كانت مفاجئة ومأساوية للشعب السوريّ رغم أنه أصبح يتوقع كل شيء، وربما اعتاد على هذا، لكن هذه الحادثة كانت من صلب معاناته اليومية مع الباصات التي تأخذ وقته وجهده وشعوره بالكرامة.

إن المعتاد في الأزمات أن تبدأ وتنتهي ولو بعد حين، إلا أن أزمة النقل والمواصلات في سورية تبدو وكأنها بعيدة النهاية، ففي كل مرة يعتقد فيها المواطنون أن الأزمة ستُحلّ تعود لتتجدد بطرق مبهرة أكثر من السابق!

إن وسائل النقل العامة كأعداد متوافرة بكثرة، لكننا لا نرى منها إلا القليل جداً، وعدد المركبات التي تعمل لا تتناسب مع أعداد السكان الموجودين في المدن والأرياف؛ ويمكن أن نأخذ مدينة حماة مثالاً بسيطاً، فقد أطلعنا أحد سائقي السرافيس أن عدد السرافيس داخل مدينة حماة فقط دون الريف يبلغ 800، وعدد سكان حماة قد وصل إلى مليوني نسمة بعد الحرب، وبحسبة بسيطة وإن افترضنا أن كل هذه السرافيس تعمل على الخط فعلياً فسنجد أن لكل 3500 شخص سرفيساً واحداً فقط!

هذا مثال عن مدينة حماة فقط، فإن انتقلنا إلى العاصمة دمشق ستكون النسبة أعلى بكثير، فعدد السكان أكبر ووسائل النقل فيها لا تكفي هذه الأعداد الهائلة من السكان، والمشكلة الأكبر هي في عدم التزام أصحاب المركبات بالعمل على خطوطهم، بسبب أزمة الوقود وتوجّه بعضهم إلى بيع مخصصاتهم بالسعر الحر غير مكترثين بالناس التي تحتاج إلى هذه الوسائل.

هذه العوامل ولّدت ولا تزال تولّد بشكل أكبر ظاهرة الازدحام الشديد على وسائل النقل العامة، وتدفع المواطنين للانتظار ساعاتٍ طوالاً والتدافع بهدف الحصول على مقعد أو حتى وقوفاً، غاضّين البصر عن حالة الضغط داخل الباصات والسرافيس؛ وهذا أتاح المجال لسرقة الناس في المواقف أو أثناء التدافع بطرق وحيل لا يمكن أن تخطر على بال!

إن المواطن السوريّ مجبر على هذا الانتظار الطويل بسبب عدم قدرته على اتخاذ سيارات الأجرة وسيلة دائمة للنقل، بعد الارتفاع الهائل في أجورها، وإن استثنينا سيارات الأجرة واعتمدنا على وسائل النقل العامة كوسيلة دائمة فهي أيضاً تشكل عبئاً مادياً ثقيلاً على المدى الطويل؛ فأسرة مكونة من خمسة أفراد مثلاً فيها طلاب وموظفون ستضطرّ إلى إنفاق ثلث الراتب خلال الشهر (مع استثناء عطل نهاية الأسبوع) على المواصلات، اي ٣٠ % وهي نسبة كبيرة جداً مقارنة بالمتوسط الشهري لدخل الأسرة الذي يبلغ 150 ألف ليرة سورية.

إن هذه العوامل من قلة المواصلات والازدحام الشديد إلى غلاء أجور النقل أدت إلى حالة من العزلة الاجتماعية وضعف التواصل بين الناس، بسبب انعدام الرغبة في الخروج من المنزل إلا للحالات الضرورية، أو الاستعجال في العودة إلى المنزل خوفاً من انقطاع المواصلات.

أزمة النقل قديمة وتتفاقم، فإلى متى ستبقى هذا الأزمة هاجس المواطنين في سورية؟ وإلى متى ستبقى حقاً نحلم به وهو حقٌّ عادي ومكتسب في أماكن أخرى من العالم؟

فهل من يعمل فعلاً على حلّها وتخليص المواطن من همّ يلبسه ليل نهار؟!

العدد 1104 - 24/4/2024